إِنَّهم ينبحون في رأسي

هدى الشماشي* عندما دَخَلَ فَصْلِي الدراسي للمرة الأولى حَسِبْتُهُ شَبَحًا. كان الوقتُ متأخرًا جدًا وقد أوقدت شمعتي الوحيدة المتبقية، وحاولتُ جاهدًا ألا أُفَكر بالبرد. يُمْكنُ للعقل أن يصنع المعجزات دائمًا. كُنَّا نعيش بدايات شتاء سنة 1989، وكنت مُدَرِّسًا فوق قمة جبل من جبال الريف، أما الحظ السيئ ف


الٳلهام الأخير

طارق عباس زبارة استيقظ المهندس سمير مبكرًا - كالعادة- في الساعة السادسة صباحًا، نهض من سريره واتجه نحو الحمام ليغتسل ويحلق ذقنه. أيقظ زوجته بضجته، فنظرت إليه مستغربة ثم قالت: - إلى أين أنت ذاهب؟ - إلى العمل، أجابها مستنكرًا سؤالها. - أنت متقاعد منذ الأسبوع الماضي. تعال ونم واترك الناس تنام، قالت


عيون جميلة مليئة بالعتمة

سمير الزبن* مع تزايد سقوط القذاف على دوما، خسرت غرفتي، فهذا المكان الذي خلق عالمي على مدى سنوات، أصبح خطرًا عليَّ. مع سقوط القذائف العشوائيِّ، باتت هنالك إمكانيَّةٌ أن تسقط واحدةٌ على غرفتي، تخترقها، وتمزِّقني. لذلك قرَّر أهلي أن أعود للعيش معهم في الشقَّة، المحميَّة أكثر من غرفتي المكشوفة على السط


نتوءات

بلال الخوخي*   كم نحاول تجنّب الكثير من السبل، غير أنها تتشبث بنا بمقدار رغبتنا في الفرار، كأن الرغبة تنعكس في مرآة القدر، ثم، ها أنا أمشي على الطريق، الطريق المنبوذة من ذاكرتي الطفولية. أسائل الذاكرة البئيسة عن الأسباب فتتمنع، تقول لي: "إن أشد البغض ما لا نتذكر أسبابه"، لكني أحسها تراوغ؛ أعل


الدكتور فانوس

صالح الرزوق*   كنا في مدرسة المشاة كل أربعة في غرفة، إلا غرفتنا ثلاثة، أنا والدكتور فانوس، وشخص ثالث له وجه معزاة، حتى الآن لا أعرف اسمه، وكان يعطس كلما لمسته الشمس.سألت الدكتور عن هذه الحالة. قال وهو يضحك: لا بد أنها ضربة شمس.طبعا لم يكن جادا، لكن من يقابل فانوس يعلم فورا أنه إنسان لا يعرف غ


رأس جدتي

صالح الرزوق* أصاب الجدة مرض فطري، وكالعادة لجأت لمبروكة. وهي واحدة من جاراتها. تقول لديها مفتاح النبي سليمان، وكانت مبروكة تربطه بشريط أخضر من المخمل وتدليه على صدرها كأنه الصليب الذي يتبارك به الأخوة المسيحيون. قدمت لها مبروكة خلطة بنية مصفرة، ليس مثل بيلون الاستحمام، ولكن أقرب لطين أو وحل الأرض ا


حلم

هيڤا نبي بدا البيت كأنه بئرٌ مقلوبة، بالكاد تتماسك جدرانه، أشبهُ بحفرةٍ، تُدفع إليها دفعًا أو تُرفَس منها إلى الخارج. دفعتني أمي أمامها، ومن خلفنا كان بائعُ العقاراتِ يمشي بضيقٍ واضح، يسحب نفسه بتململ، كأنه اقتنع اليوم فقط بتفاهة عمله في السمسرة. قال بلهجةٍ حادّةٍ تُغلقُ أيَّ بابٍ للتفاوض: - بالس


هلاوس

عثمان مشاورة * أحاول أن أبتاع فيلمًا ثقافيًا من دون مشاكل، أفكر بذلك منذ مدة، وها أنا الآن في مكان مُظلم بالكاد، عدا أضواء الأعمدة الخافتة والبعيدة، وأنوار مصابيح الحافلات المنعكسة مثل أقمار كئيبة على الإسفلت، الحافلات التي تنتظر دورها للتّحميل في مجمع النّقليات الداخلية القديم في عمّان/ رغدان، وال


حمار عظيِّمْ

عبد الله جنّوف*  لم تكن لعظيِّمْ معرفة بالحمير ولا خبرة بسياستها إلّا ما يلتقطه من أهل قريته. ولكنْ أعجبه ما يرى من صبرها وقوّتها على الحمل والجرّ وطاعتها لسيّدها، وشجّعه آخرون، فاشترى حمارًا فارِهًا وربطه تحت شجرة كبيرة في أرضه. لم يكن الحمار يستطيع رفع رأسه تحتها لكثرة شوكها وقسوته، ولكنّه ك


قصص قصيرة جدا

لحسن ملواني*   في البقاعطفلة تئن تحت الجدار، تصافحها أدخنة.. بجانبها قطة تموء، تستنكر أفعال الوحش الآكل للبشر والحجر. جالت ببصرها في صفحة السماء، أرتها وردة جميلة، اهتزت، وطارت.. في السماء تبين لها الركام بداية للبناء الخالد الذي لا ولن ينسف أبدا.في البقاعهناك شجرة زيتون.. صامدة في وجه الحرق


قصص قصيرة جدًا

إبراهيم عدنان ياسين*   مصيرخارج الخيمة، كان الثلج ناصعًا ككفن. جمع الطفلُ فحمتين، وضعهما مكان العينين، وسُعالَه القديم فمًا.ضحك.ثم سأل أباه:"هل سيموت هو أيضًا؟". استبدالاشترى أرنبًا لأطفاله كي يلهيهم عن شاشاتهم.في الأسبوع الأول، نسوه.في الأسبوع الثاني، مات جوعًا.في الأسبوع الثالث، دفنوه ثمّ


عد يا أبي

عبدالله الحامدي* في المرتين القليلتين اللتين زرتني فيهما في الغربة، لم أرك يا أبي، ولم ترني، أمضينا الوقت في البحث عن بعضنا، كأننا كنا نلعب الغميضة في «حوشنا» الكبير، وكل يوم قبل الخلود إلى النوم تربت على كتفي، مواسياً: أبليت بلاءً حسناً، غداً أراك! تقول لي: لا تؤذِ أحداً، حتى لو أذاك،


حكايات من آخر خريف بغدادي

فاروق يوسف* عبد الأمير الحصيري والسيدة الغريبة لم التفت إلى عوينات آسيا، لأنني لم أعد في حاجة إلى نظارة طبية. «لكنك لا ترى؟» قال عبد الأمير الحصيري، وكان واقفا عند باب حانة شريف وحداد. التفت إليه ضاحكا. «هل قررت أن تكون أعمى في بلد العميان؟» قلت له. «قل إني رأيت ما يك


الذي يعرف قلبها

هيفا نبي   ــ أنظر إليها من هنا، من هذه الزاوية، كم تبدو منشغلة! لا تترك شيئًا يفلت من يدها إلا لتلتقط آخر. قال الرجل الأول متأملًا المرأة من نافذته.صمت قليلًا، ثم أضاف:ــ من حيث أنظر، تبدو وكأنها تكرّس نفسها بإخلاص لكل ما تفعله. لكني أعرفها جيدًا... لم تكن حاضرة يومًا. إنها تدور حول نفسها كص


قصص قصيرة جدًا

سمية تكجي* 1 صور سألها: أين أنتِ؟أرسلت له كل النصوص التي كتبتها.مرّ صمت دام سنتين…كان خلالها يتصفّح الصُّوَر…!!! 2 سجن مؤبد… ولكن عاش في عالم لا يشبهه.لا أفق للهرب… للحلم… للتحليق.أقفل الباب وراءه…بدأ يكتب… يرسم… ويغنّي،ويردّد: أنا حر


المعصم الذي لن يفلت

آمال صفوان*الوشم الأمازيغي على معصمها، لم يكن مجرد نقش، كان ومضة. برقًا قصيرًا خاطفًا أضاء ظلمة في داخله. لم يكن يعرف اسمها بعد. لا يدري إن كانت ستلتفت نحوه، وإن كان للوشم أن يفصح عمّا أخفاه. أمين، الثلاثيني الوسيم الذي تتهافت عليه بنات الحي وبنات الأعمام والأخوال. لكنه رصين، لا يشبه شباب اليوم إذ


التبريزي هَجَرَ القطيع

صلاح بوزيان*   كل نوافذ القصر مفتوحة، تركت الشمس خيوطها الدافئة في المكان، العصافير تدخل المكان تقتات وتشرب الماء هادئة، كان التبريزي بين النوم واليقظة قال: « أذكر أنني سافرت إلى البحر مع أحد الزهاد.. علمني صيد السمك ودربني على الصبر، كنت ضَجِرا بادئ الأمر ثم تعودت المكوث لوقت طويل، عدت


كوابيس

رياض بيدس*   رعبوجد صعوبة كبيرة في متابعة نشرة أخبار التلفزيون. كان القتل، قتل الأطفال يفوق الوصف والخيال، إضافة إلى قتل النساء الختيارية والعجائز وتدمير البيوت كما لو كانت علب كبريت، وكل ما على الأرض يفوق الوصف. كان كل شيء عرضة للقتل والتدمير والتهجير. تأمل الصور في التلفزيون وكانت مروّعة وص









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي