
لحسن ملواني*
في البقاع
طفلة تئن تحت الجدار، تصافحها أدخنة.. بجانبها قطة تموء، تستنكر أفعال الوحش الآكل للبشر والحجر. جالت ببصرها في صفحة السماء، أرتها وردة جميلة، اهتزت، وطارت.. في السماء تبين لها الركام بداية للبناء الخالد الذي لا ولن ينسف أبدا.
في البقاع
هناك شجرة زيتون.. صامدة في وجه الحرق والنسف والقحط، صامدة ساخرة في مشاهد الفظاعة.. سئلت عن موعد موتها.. قالت: لن أموت، ولن أثمر زيتونا، سأثمر أطفالا يصيرون رجالا عرفانا بالجميل، بدمائهم سُقيت، واسقى، واغتذيت وما زلت أغتذي.
في البقاع
عجوز مات أحفاده واحدا واحدا مثنى مثنى، في كل صباح يبتسم في وجه الشمس، يرتجيها بإلحاح، تريهم واحدا واحدا فرسانا برايات السلام.
في البقاع
امرأة سألت العابرين عن بنتها فاطمة، وعن ابنها فؤاد.. صمتوا مبتسمين مشيرين إلى أفق يضج ببنات وولدان يشعون أنوارا لا تخلو من شراسة.
في البقاع
سور نباتي، ينمحي ثم ينبت، يكسر ويتفتت وسرعان ما ينجمع وقد ازداد صلابة..
سألوه عن سرد تجدده وقوته، رد عليهم: كل قسوة تهبك صمودا، وكل نسف يعلمك البناء المتين، وكل كشف يزيدك حزما في البحث والتعلم.
في البقاع
زهرة تلهو بها الرياح، تدحرجها في كل مكان، تبحث عن المهدي والمهداة إليه، وحين لم تجدهما، تحولت قصيدة يقرؤها الفرسان في كل مكان، يتحولون عواصف وبراكين تملأ المكان.
في البقاع
قال رجل: اليوم أعرف أن الحق باسمه شيء وبمسماه شيء. سمعه حفيده فسأله عما يقصد، فأشار إلى أديم السماء قائلا: أتعرف السحاب، رد عليه: أعرفه، إنه هناك، وماذا في ذلك؟ قال له: من اليسر أن تردده بلسانك أو تكتب عنه قصيدة أو ترسمه بقلمك أو أصباغك، لكن تكوينه يحتاج إلى حرارة وتبخر وتكاثف و و و…
تذكر يا حفيدي أن الاسم أيسر من تحقيق المسمى به.
فقه الحفيد المقصود وانصرف متعجبا من حكمة جده الذي عرك الحياة وعركته فعرف الفرق بين الغث والسمين في كل شيء.
*قاص مغربي