
بسام جميل* "صحوت على صداع هائل يجتاح رأسي ويحيل كل ما فيه إلى خراب. الرابعة فجرًا ولا شيء حتى الآن!" ترهل جسده وبانت عليه بعض العلامات الزرقاء، التي تبدو لمن يراها، أنها إثر إصابة حديثة. ربما كانت دلائل هزيمة تعرض لها على يد أحد قرائه الغاضبين. "لكني لا أتذكر أيا من هذا"، يقول لنفسه. لم يعتد أن
بوريس بريتُو غارسيا ـ ترجمة محمد محمد الخطابي على امتداد عشرة أيام وهم يحاولون التأثيرفييه ليعترف، لمن دفع المنشورات التحرشية؟ على سطح ذاكرته يطفو فقط اسم خوليان، أو ربما لم يكن خوليان بل ميغيل، ومهما يكن فقد كان اسماً مستعاراً، وبعدئذٍ هل كان طويلَ القامة؟ أم قصيرَها، هــــل تراه في هذه الصور؟ ل
عبده حقي* مثل ولي صالح.. متلفع في جوخه الحليبي.. بات يحوم في سماوات حلمي الأبيض بلون الكفن.. ينهض من قبره كل ليلة منذ عشرين سنة، يهيل على حيطان غرفتي نور شمعته الحزين.. فأخال أنه ما يزال حيا يرزق، يمشي بيننا.. عشرات الأطفال خلفه يتسابقون، يلقون بكتبهم القديمة إلى عنان السماء.. يلاحقونه، يهتفون با
صالح الرزوق* وصلت إلى غليفتسة في صيف عام 1980. وأول شيء واجهني هو الثياب التي أرتديها.. كانت صيفية بنصف كم، وكنت ألبس نعلا رقيقا. لكن صيف بولونيا في الصباح قارس البرودة. عموما أسكنتني سوزان في غرفة في كارولينكا، وتقاسمتها مع مهندس ميكانيك سيارات يوناني اسمه ليونيداس. مدّ يده القوية وشدّ على يدي و
عبد الله سرمد الجميل* أصرَّتْ عليها أمُّها أن تستشيرَ قارئَ الجدرانِ قبلَ شراءِ البيتِ؛ فهما يرغبانِ في عيشةٍ رغدةٍ بعد سنواتٍ من النَّحْسِ في البيتِ القديمِ. ذاعَ صيتُ الشيخِ في القريةِ بعدَ شواهدَ تبشيريّةٍ؛ فهوَ ما إنْ يضَعُ راحةَ يدِهِ على جدارٍ من جدرانِ البيتِ حتّى تنفرجَ همومُ ساكنيهِ؛ فيع
قصي الشيخ عسكر يبدو أنّ كلَ شيء حدث وفق ترتيب غريب مألوف في الوقت نفسه، ولا دخلللمصادفة فيه. أما أصل الحكاية فيعود إلى لحظة اندفع فيها كلبي الصغير نحوغابة قد أكون مررت بها يوما ما، ولم تلفت نظري. وجدت هناك حارسا أشقر فيالخمسين من عمره، تغطًي تجاعيد جبينه. سألته إن رأى كلبا يدخل الغابة، فأجا
طالب الرفاعي ترددت بخوفي قبل الاتصال به، لكن، لن نمضّي ليلتنا بدون كهرباء. استعجلته المجيء. سرعان ما سيحلّ المساء، ويغشى الظلام البيت. جهّزت له الكمّامة والقفازات وكيسيّ النايلون اللذين سيلبسهما فوق حذائه. لا أريد لخطوات قدميه أن تبقى مطبوعة على بلاط بيتي.. أخرس لكزني نصل الهاجس: ماذا عن أن
فرمز حسين* فجأة أحس بأن ذلك الزحام الشديد الذي كان قد تلاشى تدريجياً عن شوارع المدينة وأسواقها قد استوطن رأسه، كان دوماً يرى نفسه فوق الأحداث، يتأملها بترفع من الأعلى، فما يحدث للناس من مصائب وأهوال، وما يصيبهم من أحزان وشجون وما يخبئ لهم القدر، وما ترسله لهم الطبيعة من أوبئة وجوائح هو نفسه
إستبرق أحمد* أدركتُ أنها ستفعلُها، فهي ليست المرة الأولى التي تنتزعني بقسوةٍ. مسترخيةً على كرسيِّ المطعم الملاصق لشاطئٍ هادئٍ. ممسكة بقائمة الطعام، أشارت إلى طبقٍ شهيٍّ، هزَّت رأسها وعبرت التماعةُ عينيْها، أزاحتني بهدوءٍ حال انصراف النادل، أطاحتني أسفلَ الطّاولة، اقتربت كرةٌ سوداءُ، قطة الشاطئ
شادية الاتاسي* غزاني الربيع في عقر قلبي، نيساني المذاق، متألق المزاج. داهمني وأنا أتنقل بلهفة من محطة لأخرى، أرقب بدهشة مذيعي القنوات الفضائية، وهم يتحدثون بحماس عن التسارع المفجع لعدوى الوباء القاتل، ويحصون بحيادية ارتفاع معدل ترمومتر الموت على أرصفة المعمورة، فأتوقف لبرهة، أصيخ السمع بقلق، لذاك
عبدالرحيم التدلاوي* كل شيء كان معدا بعناية فائقة.. حضر الجميع؛ وكان الانتظار مادا رجليه بمتعة فاحشة، إلا الموت، أصر على التأخر لرفع أدرينالين التشويق. تقاطع في الوقت الذي اصطدمت سيارتي بعمود الإنارة، فتحطم قفصي الصدري؛ وانكسر عنقي؛ وسال الدم من عيني؛ رأيتها كطيف من نور رافعة أكف ال
صلاح بوزيان* انقطع التيار الكهربائي فجأة، الشارعُ مظلمٌ وموحش، الزبائن انفضوا وتركوا المقهى واحتموا بالظلام وهربوا، ولم يدفعوا ثمن القهوة والشاي، الأماكن بسرعة تحولت إلى خراب، زبون يضع كرسيا على مقود دراجته ويهرب، زبون يقتلعُ فانوسا، وزبون على حافة الهلاك منذ سنين، توثب وحملَ طاولة على كتفه
دارين زكريا* اللون الأحمر يسيل على الأرض كأنه يريد إفشاء سر ما لها، لكن اللون الأزرق يقطع مساره… يسكت له فاهه فالأسرار الحقـيقـية مـرة. اللوحة على (الستاند) المخصص لها تقْلق رسامها، يقف أمامها والحيرة تلحس أصابعه، لا يدري تماماً سبب هذا القلق الذي يغرس أصابعه في رأسه كلما اقترب ليرسم هذا
نجم الدراجي المدينة معمدة بالصمت، وغارقة في النوم، وذاهبة إلى العدم إلا من هذيان الأشباح المعدنية.. لم يخطر له التعارف مع عالم أشباح جامدة إلا من خلال تلك الهياكل المعدنية، لكل شبح ظل رمادي يعتم الزوايا كخيمة مهترئة لا تقي حرا ولا بردا.. لا دهشة لحالة اليد المستلة من كيانه، التي قدر لها أن تخيم ف
رضا نازه* دبَّ قلمه على صفحات الدفتر جيئة وذهابا كإبرة مرصاد تسجل هزاتٍ لا تُدرى بؤرتها. أخيرا طاوعته الكلمات. كانت تسمع له على الطاولة نقرات متكررة مكتومةً بحائل الورق. استرسل يسوّد الصفحات الأولى بدون توقف. المَطالع حاسمة جامعة مانعة ، تشدّ قارئ الرواية أو تصرفه. دبت من خلفه حركة خفيفة أح
انعام قرشي* عندما تحسست الممثلة أودري هيبورن بإصبع قدمها حرارة الماء في حوض الحمام، كانت سلوى تحمل صينية القهوة لأمها في البلكونة الصغيرة، استوقفها المشهد ووقفت تتابع بقية الفيلم القديم، انتقلت الكاميرا إلى زاوية بعيدة لستارة الحمام المنسدلة والمعبأة ببخار الماء، بينما يعلو صوتها بأغنية رقي
شادية الاتاسي* قالت لي صديقتي الإسبانية ناتالي، إنها سترحل في الغد، وتعود إلى بلدها. تجمعني مع ناتالي حكاية قديمة، حكاية الفردوس المفقود، حكاية تشاركناها في زمن غابر، التاريخ والانتماء، والمدن والقصور والعطور، القصائد وموسيقى الموج، وحكايات الحب المستحيل، دفء الشمس، وكثير من الأجداد والجدات. نا
هدى عيد* «لستُ في حاجةٍ إلى تقديم القلق لكم، فكل منا قد ابتُلي بهذا الشعور، والحق أقولُ لكم إنه حالة وجدانيةٌ نشعرُ بها في أنفسنا، وتعاودُنا مرة تلو الأخرى». قد تكونُ عبارةُ عالمِ النفس الشهير سيغموند فرويد، التي أدلى بها في القرن السابق، خيرَ توصيف لحال معظم أبناء القرن الحالي؛