بقي عليهم فقط أن يهيلوا التراب

ساري موسى*   الحاجةُ إلى آخرِين لم تزعجه مسألةُ العيشِ وحيداً. تأقلم معها متدبّراً أمره على أحسنِ وجهٍ طيلةَ حياته: يزرع ما يأكل، يربّي حيواناتٍ ويصيدُ أخرى، يُقَطّر العَرَق من عنب كرمته، يتداوى بأعشاب الغابة، ويقتلع أسنانه المنخورة بالكمّاشة المعقوفة رفيعة الرأسين. لكنْ ما أخذ يُقلقه ويش


الفراشات الحزينة

روجر دين كايسر* ترجمة: حسام حسني بدار في وقت ما من أوقات حياتي، كان للجمال معنى خاصّ لي. انتابني هذا الإحساس، كما أظنّ، عندما كنتُ في السادسة أو السابعة، قبل بضعة أسابيع فقط من قيام ملجأ الأيتام بتحويلي إلى شيخٍ هرِم. كنت أستيقظُ كلّ صباح في الملجأ، أرتّبُ سريري وكأنني جنديّ مبتدئ، ثم أقف أنا و


غزّة.. 24/ 24 تحت القصف

أنيس غنيمة* تركتَ بيتك وغادرت سريعاً بعد ليلة صعبة، ناسياً شيئاً بالتأكيد، هل تذكّرت الآن؟ هناك على الأقل منفضة سجائر تحبّها. انتقلتَ إلى أقارب في مكان آخر، هل يبدو القصف أبعد الآن؟ لا، ولكنك تطمئنُّ قليلاً: ثمّة قصف هنا أيضاً، إذ نشترك جميعاً في الرهبة ذاتها. السماء حمراء في كلّ مكان، يعجبك الل


تقاسيم على وتر الضياع

ماجدولين الرفاعي كنت أقف خلفك تماماً، أتابع ما تفتحه ماكينة الحلاقة من شوارع ضيقة في بياض رغوة الصابون، وجهٌ لوّحته الشمس بسمرتها وأعارته من وهجها هذا الألق المرسوم في المرآة بعناية فائقة تذيله ابتسامة رهيفة مثل حرير ربطة عنقك الباريسية الفاخرة. تستدير نحوي، فتفوح رائحة الليمون من كولونيا حفرت خ


نيّةٌ بالذهاب إلى "عيدٍ" آخر

سائد نجم* بعد أن فتّشوا حقائبنا، وأوقفونا على أكثر من حاجز عسكري بين الأزقّة القديمة، للسؤال عن "التصريح" تارةً، وأُخرى  للاطمئنان من أنّنا لسنا يهوداً، ضلّوا طريقهم بالاتجاه إلى الأقصى. أذكر وقتها كم ضحكنا حين استنطقَنا ضابطٌ "إسرائيلي" ليتأكّد من ذلك، وضحكنا أكثر حين استنطقَنا أحد حُرّاس ا


جيران البيت

  لطف الصراري * في عتمة ليل صيفي ماطر، أصغت الحاجّة ياقوت لقعقعة رشاشات الكلاشينكوف وهدير الرشاشات المتوسطة ودويّ المدافع. كانت تأتي من بعيد؛ من التلال المكتظة بالمنازل الآهلة والمهجورة، وبالمعسكرات والمواقع القتالية. مضى شهر وعشرة أيام منذ نزح جميع سكان الحيّ عدا عائلتها.  لكن هذا فقط،


في الأقصى مع أم صبحي

باسم النبريص* زرت المسجد الأقصى مع أم صبحي. ففي مثل ظروفنا، لابد لك من رفقة امرأة كي تكون في مأمن من عيون الشرطة. حين وصلنا مدخل المسجد، أفهمتني أم صبحي بضرورة التقيد ببعض التعليمات: 1 - عدم النظر ناحية الحاجز. 2 - التصرّف بطبيعية حين تقترب منهم. 3 - إذا وقعت الفاس في الراس وسألوك إبراز بطاقة


فاطنة

  في الطائرات أنام، أحرص على وجود أقراص المنوم معي، ساعة من إقلاع الطائرة بالضبط، وأطلب قليلا من مشروب، أخلطه مع قرص الزانكس وأنام. مرة واحدة ضاع مني القرص، ولسوء الحظ دخلت الطائرة في مطبات هوائية، كان بجواري سائح إنكليزي، وبالجوار الآخر راكبة كورية، أبرد خلق الله أعصابا. صحبة ثقيلة تحملته


لا تتبعني

حسن أكرم* أعرف تلك الاستعدادات التي يحتاجها أيّ شخص ليودّع أحداً ما. أعرفها وأفهم جيّداً أنَّ الحياة وداعات متكرّرة، وأعرف مِنْ أيّ نوع مِنَ النساء هي حليفتي. أسمّيها "حليفتي" لأنّي أرى الحياة على أنّها حرب مستمرّة وأن مَنْ يُحبّك يعني أنه يحالفك في تلك الحرب. وحليفتي فائقة الجمال تملك وجهاً ريف


الرماد

   قصي الشيخ عسكر لم يكن طلب السيدة ليزا غريبا عليّ قط، فهي تعرف علاقتي بزوجها الذي توفي قبل أشهر. كنا صديقين منذ أكثر من ثلاثين عاما، نعمل على حاملة الطائرات البريطانية. باترك مهندس للكهرباء وأنا المهندس الميكانيكي. لقد جبنا بلادا ورأينا ما لم يره أحد مثلنا. وبدا أن هذا التنقل الطويل جع


شكاوى عازف من وضاعة آلته

حسن داوود ذاك الرجل تُرك بلا اسم. وهذا في أي حال لن يضيره لأن لا أحد سيكلّمه. ذاك أن لا أحد يشاركه الأداء على الخشبة، ثم إنه لن يعتدّ بنفسه فيقول أنا فلان، بسبب إحباطه، كونه يعزف على آلة لا يطيقها. الكونترباص هو أبشع آلة موسيقية بحسب ما يَرى. إنه عائق أكثر مما هو آلة. في وصفه له يقول: لا تستطيع


رجلٌ بلا طلاء

   واثق الجلبي لهفتي وحنيني عملتان ضائعتان، أشواق تمزقها الريح وصوت ثمِلٌ يصرخُ في رأسي: عن أي حبٍ تبحثُ أيها التائه؟ يا من بددّ قلبهُ ورمى به في فوهات الحتوف، لن يُجديك نفعا ما تقوم به، الصوت يخترقني مراراً وعبثيتي تزيدهُ احتراقا وتنمّرا، ماذا فعلتُ؟ صرخة حبلى بالأنين تفترع أدمغة الف


قطعة جُبن تساوي العالَم

  البرد الخفيف في الهواء، الدكاكين المغلقة، رائحة الرطوبة والعفن، ونصف مكعّب جُبن في يدي. نصف مكعّبٍ صغير بحجم طائر أقبض عليه بهدوء وأنا أتخيّل كيف تنازلتُ من أجله عن شراء التبغ. كنت أمام خيارين: إمّا الأكل أو التدخين. وأنا، كرجلٍ ناضج، يجب أن أختار ما قد يسدّ رمَقي حتّى الغد، مع أن هناك شيئاً


قصة قصيرة.. واحد.. اثنان.. ثلاثة

إشراق سامي كراس قديم كانت قد اختزنته غرفة كتب مهجورة في بيت جدي، وكعادة أغلب الكتب في تلك الغرفة فانه ناقص الواجهة والنهاية. لذا، فلست أعرف اسم مؤلفه تماما، كما أجهل نهاية الأحداث فيه، لكن أحد القراء الذين مروا عليه منذ سنوات طويلة كان قد كتب على إحدى صفحاته بخط جميل وبقلم حبر ريشته عريضة: &laqu


أسير اللحظة

أوس الحربش* أحد أيام صيف الرياض اللاهبة انتهت بي في منزله. ارتدَّت إلى عقلي تلك الخرافة بعد سبات، خرافة أسير اللحظة العاجز عن استدراك الماضي أو تلقي المستقبل. أفكار تلقفها عقل الطفل الإسفنجي كحقائق، حتى وافاني الكبر وانساقت معه الشكوك والتساؤلات. جاءت بعض التعليلات بمنطق مقبول، وبقيت الرواية الأب


كافكا والدمية المسافرة

‫ جوردي سييرا أي فابرا* ترجمة: أماني لازار في الأربعين من عمره، كافكا الذي لم يرزق بأطفال، كان يتمشَّى في حديقة برلين، شتيغلتز سيتي بارك، عندما التقى فتاة تبكي لأنها فقدت دميتها الأثيرة. بحث معها عن الدُّمية من دون أن ينجحا في العثور عليها. طلب منها كافكا ملاقاته هناك في اليوم التالي على أن يتابع


أصابع الريح

ريم حبيب الكون كبير جدًّا. صغير جدًّا. الموت لغز. أهمُّ لغزٍ في العالم. والموتى أيضًا يتحدّثون. هناك مَن يخبرُكَ عن الموت تفاصيلَ كثيرةً تُحرِّك مخاوفَك ومشاعرَك؛ أمّا العقول فلا مكانَ فيها لكلِّ ما يُروى. الضمان الوحيد لكلِّ ما تسمعه هو أن تجرِّبَ الموتَ بنفسك. كلُّ الأديان تتحدّث عن يوم الحساب


فنجان قهوة فارغ

أحمد فؤاد يبدأ صَبَاحه فقط عندما تتسلّل رائحة البُن إلى روحه، يبتهج... يتذكّر كُل أُمنياتِه التي لم يجد لها مكانا في الحياة. يستمع إلى صَوت آلة تحضير القهوة، يتفاءل... يستعد لتحقيق كُل أحلامه في السويعات القادمة. يتأمّل سَرسوب القهوة الناتج عن طحن حبوب البُن، يتحمّس... يتَجهّز لسحق كُل هَ








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي