شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

الترجمة الأدبية فن منقوص في العالم العربي

2020-09-15

كتاب يمنيون يتحدثون عن الترجمة الأدبية وشروط نجاحها

صنعاء - محمد النظاري - تحتاج الترجمة الأدبية إلى مُبدع حقيقي يستطيع من خلال المحاولة الجادة والمسؤولة تحقيق تماسُك النص من الناحية اللغوية، وأن يترجم بمفردات ثرية وجُمل وعبارات حاذقة ورشيقة، وفي الوقت ذاته ينقل المشاعر والأحاسيس، ويحافظ على الأفكار والسياق الضمني للنص.

وتحقق الترجمة الجيدة للقارئ تعايشا كاملا مع الترجمة مثلما تعايش معها أصحاب اللغة الأصلية، ما يحقق الدهشة والمتعة في آن، وإلّا فإن النص يصبح مسخا مشوّها، وتضيع قيمته الفنية والثقافية.

الترجمة فن

يقول البروفيسور والروائي حبيب سروري “تكتسب ترجمة الروايات والكتب أهمية كبيرة جدا، كما يعرف الجميع، لكنها حاليا تعاني من أزمة في الانتشار، كجزء من أزمة نشر الكتب عامة، وهيمنة سياسة الترويج والربح الذي تعتمده دور النشر، حيث إن هناك روايات لعدد قليل من النجوم الروائيين (لا توجد بينها غالبا أية رواية عربية) تنتشر تجاريا بفعل الدعاية والإعلان الذي يشتغل بحرفية كبيرة لصالح هذه الروايات والكتب التي تضمن انتشارا واسعا لها”.

ويضيف “أما بقية الأعمال الأدبية فتبقى محدودة النشر. وهذا الأمر يبدو جليا بشكل أوسع في ما يتعلق بالرواية العربية وترجماتها. إذ كي تنتشر ترجمة رواية أجنبية، يلزم غالبا أن تكون ذات انتشار كبير في لغتها الأم”. وبسبب الأمية المنتشرة وضعف التعليم وعزوف الناس عن القراءة يرى سروري أن هذه المعطيات جعلت وضع الرواية العربية رديئا جدا.

 بينما يرى الدكتور عبدالعزيز المقالح، أستاذ الترجمة بجامعة صنعاء، أن الترجمة – عموما – توصف بأنها حرفة، وعلم وفن. الحرفة يمكن أن تكتسب بالممارسة، والعلم فيها يُنال بالاطلاع والدرس. وهذان الأمران قد يؤهلان المترجم لممارسة أنواع من الترجمة التقنية والرسمية والتخصصية كالترجمة الصحافية والقانونية والتجارية وغيرها. والمعاهد والجامعات والمراكز التي تدرس الترجمة تقدم للدارسين العون والتأهيل المطلوبين للقيام بهكذا ترجمات.

أما الفن في الترجمة، فيشدد المقالح على أنه يحتاج إلى جانب الاحتراف والعلم قدرا من الموهبة والشغف اللذين يشكلان للمترجم حافزا لا يفتر على مواصلة الترجمة مهما كانت الظروف والصعاب والمثبطات.

موضوع يهمك : آلهة ذو الشرى وأثرها في الديانة النبطية القديمة

ويضيف “أحسب أن ما يمكن أن تقدمه المؤسسات للمترجمين في هذا الخصوص ربما يكون محدودا، خصوصا إذا لم يتوفر فيها المعلمون الذين يتمتعون بالموهبة والشغف الكفيلين بتنميتهما عند الدارسين للترجمة ممن تتوفر لديهم هاتان الميزتان، وبالتأكيد، لا يمكننا إغفال الظروف السياسية والمعيشية التي تمر بها بلادنا حيث صارت تؤثر سلبا على تفاصيل الحياة العملية والمهنية”.

وعن أنواع الترجمة يرى الروائي والكاتب وجدي الأهدل أن ثمة ثلاثة أنواع من الترجمة لعل أبرزها الترجمة الأمينة لنص المؤلف، وهي الترجمة السائدة في العالم العربي، وهناك الترجمة الإبداعية، وهي الترجمة التي تحاول إضفاء طابع المحلية على النص المنقول من بيئة أجنبية إلى البيئة المنقول إليها، وهذه الترجمة نادرة في الثقافة العربية.

وهناك ترجمة ثالثة رديئة، وهي الترجمة الحرفية، وهذه الترجمة تتخذ في الغالب طابعا تجاريا، ودور النشر التي تجري وراء الكسب السريع هي التي تقبل بنشر هذه الترجمات التي تبدو في الظاهر أمينة تماما للنص الأصلي، ولكنها في الحقيقة ترجمة خفيفة، عجولة، تشوه النص الأصلي تشويها فظيعا.

وبحسب الأهدل فإن أفضل من ترجم من الروسية إلى العربية السوري سامي الدروبي الذي ترجم أعمال ديستويفسكي وغيره من الأدباء الروس، والعراقي غائب طعمة فرمان الذي ترجم أعمال تورجنيف. وأفضل من ترجم من الإسبانية إلى العربية السوري صالح علماني الذي ترجم قرابة الثمانين كتابا، يليه المصري عبدالرحمن بدوي مترجم رواية “دون كيخوته”، رغم أن هناك من يشكك في قيامه بترجمتها من الإسبانية مباشرة.

وفي رأيه إن أفضل من ترجم من الألمانية إلى العربية مصطفى ماهر وسمير جريس، وكلاهما مصريان، وكذلك السوري نبيل حفار. وأفضل من ترجم من الإنجليزية إلى العربية الفلسطينيان إحسان عباس وجبرا إبراهيم جبرا، واللبناني منير البعلبكي، واليمني عبدالوهاب المقالح والمصري طه محمود طه.. وأفضل من ترجم من الفرنسية إلى العربية اللبناني سهيل إدريس، والسوري إلياس بديوي.

ويشير الأهدل إلى أن القارئ عندما يقرأ النص المترجم كمن يقرأ رواية جديدة فإذا ما أعجبه العمل، فإنه سيعجب أيضا بالمترجم، وغالبا سوف يذهب للبحث عن الأعمال التي ترجمها، وهكذا ينال المترجم نوعا من ذيوع الصيت، والإشادة بكفاءته في الترجمة. فالمترجم الجيد هو الذي يتمكن من نقل (أسلوب) المؤلف الأجنبي إلى لغتنا العربية، وهذه مهمة أعلى بكثير من مجرد الترجمة العادية.. إنه ينقل روح المؤلف إلى ثقافة مختلفة اختلافا جذريا.

ويؤكد الأهدل في هذا الصدد على أن المترجم الجيد يحب أن يكون قادرا على هضم الأسلوب الأدبي للمؤلف الذي يترجم له، وهذه عملية بطيئة قد تستغرق سنوات، ولذلك لعل ترجمة الأدب ليست حاسمة أبدا، ويمكن لعدة مترجمين أن يترجموا العمل نفسه، ومع كل ترجمة نحصل على نكهة أدبية مختلفة.

اشتراطات الترجمة

يشير الكاتب اليمني علي المقري في الحقيقة إلى أن “واقع ترجمة الرواية العربية عامة إلى اللغات الأخرى لا يسرّ، فتكفي الإشارة إلى أن عدد الروايات اليمنية التي ترجمت إلى اللغة الفرنسية مثلا لا يتجاوز التسع روايات بينها ثلاث روايات لي، وست روايات لخمسة آخرين. بالطبع هناك روايات مهمة كُتبت في السنوات الأخيرة لكن للأسف لم تلق مجالها للترجمة إلى اللغات المنتشرة”.

ويضيف المقري “الناشرون العالميون عادة ما يهتمون بالروايات التي تُكتب بشكل فني جيد، ولهذا يطلبون أحيانا من مستشاريهم ومترجميهم القيام بترجمة صفحات قليلة جدا من الرواية كنموذج يعرفون من خلاله أسلوب الكاتب وقدراته الفنية. وبالتالي يرون إذا ما كان هذا يتناسب مع ذائقة قرائهم المعتادين. ويتعذر الروائيون العرب بأن الناشر غير العربي يهتم بمواضيع محددة، وهذا كما يبدو لي غير صحيح، فالروايات البوليسية والرومانسية ما زالت هي الأكثر انتشارا في مختلف لغات العالم”.

موضوع يهمك : ميلان كونديرا.. خصم الأدب الروسي والمنظر المعادي للأيديولوجيا والقومية

ويتابع الروائي اليمني “أظن أن الرواية العربية ما زال فيها الكثير من المشاكل الفنية، لغياب الخبرات المتراكمة لدى الكتاب، ولعدم اعتماد دور النشر على محررين مختصين. وللأسف نجد أن الروايات المتميزة لا تحظى أحيانا بالتقدير من ناشرين عرب متميزين أو من مانحي الجوائز العربية ولهذا لا أحد يلتفت إليها. فالترويج لهذه الرواية أو تلك هو من أهم العوامل التي تتيح فرصة الحصول على ترجمة للغة أو أكثر”.

وعن شروط الترجمة ومتطلباتها يقول الكاتب حسين الوادعي إن المترجم يجب أن يمتلك ثلاثة أشياء كمنطلق للدخول في هذا الباب الواسع؛ أولا، إتقان اللغة التي يترجم منها، ثانيا، إتقان اللغة التي يترجم إليها، ثالثا، أن يكون ذا ثقافة واسعة ومزدوجة، بمعنى أن تكون لديه معرفة بثقافة اللغتين، لأن الترجمة ليست نقلا حرفيا ولا تحويلا أوتوماتيكيا للمعنى فيضيع جمال المعنى الذي تبنيه الجمل والعبارات.

وعن مستوى الترجمة الأدبية في الوطن العربي يرى الوادعي أن أبرز الترجمات الموجودة متوسطة، بل سيئة، ولعل سلاسل عربية معروفة مثل سلسلة “عالم المعرفة” و”المنظمة العربية للترجمة” و”المشروع القومي للترجمة” قد تورطت في دعم نشر ترجمات ضعيفة لكتب وروايات عالمية مهمة، هذا لا يعني بالطبع إغفال الدور التنويري للترجمات التي قامت بها هذه المؤسسات لأنها قدمت في الوقت نفسه ترجمات رائعة لعيون الفكر والأدب العالمي.

وعن أشهر المترجمين يقول الوادعي إن “المترجم الكبير صالح علماني الذي توفي السنة الماضية يتربع على عرش المترجمين العرب، فقد عرف القراء عبره إبداعات ماركيز والأدب الإسباني، وأيضا لا يمكن نسيان مترجم كبير مثل عبدالرحمن بدوي الذي ترجم من الألمانية والإسبانية والفرنسية ولغات أخرى.

ولعل من أشهر ترجماته ترجمة رواية “دون كيخوته” وأعمال غوته وأعمال برتولد بريخيت، الكاتب المسرحي الألماني الشهير، إضافة إلى ترجمته لأشهر كتب المستشرقين ولاسيما الخاصة بالتاريخ الإسلامي والأدب العربي وهناك مترجم يحتل عندي مكانة كبيرة وهو عفيف دمشقية الذي نقل الأعمال الأولى لأمين معلوف من العربية إلى الفرنسية وميزة ترجمات عفيف دمشقية أنك تحس عندما تقرأها أنك تقرأ عملا كتب باللغة العربية، فلا يوجد أي أثر لصنعة الترجمة وعثراتها”.

ويرى الوادعي ترجمات شكسبير إلى العربية كانت من نصيب جبرا إبراهيم جبرا في المآسي الكبرى والملك لير وهاملت وعطيل وماكبث لأن جبرا تعمق في الثقافة الإنجليزية وأتقن اللغة الإنجليزية وفهم الأبعاد الثقافية لشكسبير وعصره، متقنا في الوقت نفسه للثقافة العربية وأبعاد الترجمة إليها، وترجمات الكبير منير بعلبكي لأمهات الروايات التي كانت تنشر عبر دار العلم للملايين في بيروت ولعل أشهرها قصة مدينين لشارلز ديكينز وأحدب نوتردام لفيكتور هوجو ورواية كوخ العم توم وأعمال جون أشتاينبك.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي