قليل هم المبدعون الشاملون الذين يعطون لكل مجال ابداعي حقه في العمق والخبرة الفنية الواسعة، واجزم ان الصديق والمبدع اليماني الشامل عبدالناصر مجلي واحد من ذلك النفر القليل من المبدعين الذين يؤكدون رسوخهم ومهارتهم وقدرتهم على الخلق الفني في كل لون أدبي يطرقونه رغم تمرده وفوضاه المنظمة وصلابته في توكيد خصوصيته ومواقفه. وأزعم انني تابعت تجربته الابداعية التي تمتد منذ ما يقارب عشرين عاماً والتي بدأت تجليات ملامحها الحداثية الاولى في مجموعته القصصية «ذات مساء... ذات راقصة» المنشورة في القاهرة عام 1991م.
ولأن عبدالناصر مبدع شامل ومتمرد ودائم التوهج، فقد كان يرفض البقاء عند فن أدبي بعينه، لذلك فقد سافر الى الشعر دون أن يهجر القصة القصيرة التي عاد اليها في مجموعته «اشياء خاصة» عمان الاردن 2002م رغم انشغاله بالشعر في شكله الحديث ان لم نقل الاحدث. وكانت مجموعته الشعرية الاولى «سيرة القبيلة» عمان الاردن 1995م حدثاً ابداعياً لم يجد ما يستحقه من النقد الادبي وان وجد ما يستحقه من القراءة، ثم اتبع مجموعته الاولى بـ«السيرة الرملية للفتى البحر» صنعاء الهيئة العامة للكتاب 1997م التي شكلت نقلة جديدة وبديعة في هذا المجال.
ومن الشعر اتجه عبدالناصر مجلي الى الرواية، فكانت «رجال الثلج» اولى اعماله الروائية. وبين هذه التنقلات من القصة القصيرة الى الشعر والرواية كان عبدالناصر يكتب النقد الادبي معبراً عن رؤيته المغايرة لمفهوم الابداع وقراءته عند الاجيال التي سبقته وربما التي ظهرت معه. وعلى رفوف منزله المتواضع في ديترويت بالولايات المتحدة عدد من الروايات والمجاميع الشعرية والقصصية ودراسات نقدية عديدة تنتظر فرصة لترى النور وذلك اقل تقدير لهذا المبدع الشامل الذي ذهب الآخرون الى الارض الجديدة ليعودوا منها بالثروات الطائلة، بينما ذهب هو ليعود بما هو أبقى وأسمى وأعني به هذه الثروة الادبية التي لا تقدر بثمن ولا يلحقها الخسران او الافلاس.
..............................................
*عن صحيفة 26 سبتمبر اليمنية