شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

الحرية جوهر الأمر

2020-09-30

وعي بالمدركات التاريخية

عدلي صادق*

منذ النصف الثاني من العام الماضي، بدأت في كتابة تاريخ أيرلندا وحركتها الوطنية، وقد تعمدت التأني، لكي أتيح لنفسي الرغبة في تسليط الضوء على كل شخصية مركزية في كل مرحلة.

وفي حديثي الأول مع أستاذ جامعي أيرلندي مختص في التاريخ، عرضت عليه بعض ملاحظاتي على السياق التاريخي وأحداثه، وكان من بين هذه الملاحظات أن هناك الكثير من التشابه بين تاريخ أيرلندا وتاريخ فلسطين.

يومها قال لي صاحبي الأكاديمي د. هيلي: إن فكرة التشابه هذه، بين تاريخ أيرلندا وتاريخ فلسطين، كانت موضوع كتاب لأستاذ جامعي أيرلندي يُدعى “نيال ميرتشو” في “جامعة غربي واشنطن” الأميركية، وتفضل عليّ بإرسال رابط الكتاب المتوافر على شبكة الإنترنت!

لقد توقفت أمام مثال حي، على وضعية الإحباط وغطرسة المحتل، وإحساس الناس أصحاب القضية باليأس واللاجدوى. ففي أواخر القرن التاسع عشر، كان الأيرلنديون قد ظنوا أن ما بذلوه من الدم والمقدرات عبر القرون، قد ذهب سُدى.

اضطر المحزونون الوطنيون إلى تشكيل جمعيات سرية، على الأقل لكي يحافظوا على ثقافتهم ومدركات قضيتهم، بعد 800 سنة من الاحتلال الاستيطاني.

وحرصوا على الاستفادة من أخطاء السابقين ورعونتهم فأحكموا الإغلاق على أنفسهم داخل الجمعيات، ولم تستطع الأجهزة البريطانية اختراقهم، وتكاملوا مع جمعيات في أميركا شكلها الهاربون من المجاعة الكبرى (1845 ـ 1849) واستعادوا وعيهم بمدركاتهم التاريخية، ومن أهمها إنسانهم “الغايلي” القديم وثقافته.

ففي أساطير الشعوب الغايلية القديمة، التي استوطنت أيرلندا، هناك رمزية خاصة لمحاربين أشداء، عُرفوا بكونهم “الفانيان”. فقد جعل الوطنيون المصممون على التحرر، الفانيانية هويتهم.

كان الصمت قد أطبق على البلاد، وبدا أن كل شيء ينم عن موت القضية، وأصبح القوي عائما، كأنما حُسم الأمر وانعقد النصر للمحتلين إلى الأبد.

في لحظة مواتية، في سنة 1915 كان الأيرلنديون الفانيان يدفنون ميتا لهم، وقد أحضروا معهم كاهنا كاثوليكيا للصلاة عليه. وقف أحد القادة الوطنيين السريين، يلقي كلمة التأبين.

 فقال إن هذا الراحل لم يطلق رصاصة واحدة لأجل الجمهورية الأيرلندية، لكن جثمانه سيفعل الكثير. وعندئذ أطلق رصاصة من فوق القبر، مؤذنا بمرحلة كفاح وطني جديدة.

 ثم أردف صارخا: إن هؤلاء الحمقى الذين تركونا نحن المواطنين الفانيان، نموت جوعا أو غدرا أو حصارا، لا يعلمون أن هذه القبور التي يحنو عليها تراب بلادنا، تستحث الذكرى، وتنقلنا من مربع الإحساس بالعجز، إلى مربع الوعي بمكامن القوة، وتؤكد على أن أيرلندا، لن تكون في سلام طالما ظلت بلا حرية. فالحرية هي جوهر الأمر!

 

  • كاتب وسياسي فلسطيني

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي