شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

"من ذاق عرف".. رواية بحث عن الذات

2020-02-15

تغريد عبد العال

في قصّة "ساحر أوز العجيب" الأميركيّة، تبحثُ دوروثي عن البيت، وعن الأمان، فتكتشفُ أنّها أثناء الرّحلة، تبحثُ عن ذاتها، فتجدُ أجزاءَها الداخلية، قلبها وعقلها وشجاعتها، فيكون البحث قد اكتمل، لأنه لم يكن عن شيء في الخارج عند ساحر أوز العجيب بل في الدّاخل، عن ذاتها.

وفي رواية المصرية شيرين سامي "من ذاق عرف"، الصّادرة عن الدّار المصرية اللّبنانية، تبدأ الرّاوية رحلة بحث عن أبيها، الكاتب المختفي، وأثناء هذه الرّحلة، تتعرّفَ الكاتبة على نفسها من جديد وعلى عالم الكتابة الواسع، فتبدو لها الحياة وكأنّها رحلة بحث عن الذّات.

تتخفّفُ الرواية من اللّغة الأدبية المكثّفة وتذهبُ نحو لغة سلسة كي تقترب من العالم الحقيقي الذي تدور فيه الأحداث، إنّه عالم الحياة الأوسع من الكتابة والتي جعلت كاتبا يتخذ قرارا نهائياً بالاختفاء والابتعاد عن عائلته وأهله. وهنا تطرحُ الكاتبة السّؤال الغريب، هل تقرّر الكتابة مصيرَ حياتنا؟  هل تتداخل مع خياراتنا الشخصية؟ فتجعلنا نخطو خطوات تجاه معرفتنا لذاتنا، فتعيد الكاتبة النّظر في كلّ شيء في حياتها وخياراتها. ففي مرورها على قصّة دخولها على عالم الكتابة تكتشفُ أنّ هذا العالم يحتاج إلى مواجهة.

تتعاملُ الكاتبة مع ظاهرة الاختفاء، على أنه اختفاء جزء منها، وربما جزء من شخصيتها، إنّها الهويّة القديمة الّتي تُحاول نسيانها، الأنا التي كانت شاهدة على كلّ شيء، فتكتشف حباً جديداً داخلها من خلال قراءتها للرسائل، وهذا الحب يدفعها لأن تبحث عن نفسها وروحها، وهنا تخطر في ذهني قصيدة أوكتافيو باث: يداي/ تفتح ستائر وجودك. وكأن الحب هنا دعوة للاكتشاف، للذهاب بعيدا نحو الوجود وملاقاة من نعتقد أنه سيخلصنا من مأزقنا الوجودي وهو ذاتنا الأخرى الحقيقية التي تتكوّن مع التّجربة. في كل رسالة تقرأها الكاتبة، تجد شيئاً مفقوداً من حياة أبيها الملتبسة ومن علاقته بالكتابة وبالكاتبات المبتدئات.

                                       الروائية شيرين سامي 

 وتصل الحبكة إلى قراءة الرسائل التي أرسلها أبوها واكتشاف الأسباب التي أدت الى رفضه الارتباط بهم، ومن خلال هذه الرسائل، تمضي الكاتبة بعيدا لتفهم ما سرّ العزلة التي اختارها أبوها، ولماذا لم يكن منسجما في بيته ومع عائلته، لتصل إلى المقطع التي تتحدّثُ فيه عن الكلمات واستخدامنا لها، وأهميّتها في تشكيل وعينا عن العالم.

وقد دفعت الكاتبة ثمن هذه العزلة التي بدأت كرحلة داخلية واستمرت لتصبح رحلة تيه، فخسرت زواجها، حين بدأت انتماءها إلى روحها في عالم الكتابة وخاصّة بعد تعرّفها إلى مازن، الشّخص الوحيد الذي ساعدها في اكتشاف ذاتها في عالم الأدب من خلال بحثها عن أبيها، وبعدما توطّدت العلاقة معه، اكتشفت أنّ روحها تنفتحُ يوما بعد يوم من خلال رسائلهما، فكأنّما تتحوّل الكاتبة هنا إلى وجه يشبه أباها وتصبح العلاقة معه ندية وربما تفهمت أكثر حياته من خلال علاقتها مع مازن.

ولكنّها تتذكّر أنّها قرأت في إحدى الرّسائل عن زيارة أبيها للفتاة التي كان يراسلها في الصّعيد، فتقرّر أن تزور الصّعيد وتصطحبُ أولادَها إلى هناك.

وعندما وجدت والدها أخيراً، أخبرها أنه فعل ذلك من أجلها، من أجل أن تعثر على ذاتها، فهو لم يستطع أن يتخيل أن ابنته الموهوبة تعيش حياة ليست لها وكأنها فتاة أخرى، وما الاختفاء الا قرار اتّخذه كي يعيد لها ذاتها.

فتحت الكاتبة النهاية على الأمل، خاصة أنّها وجدت نفسها في الكتابة ومن خلال رحلة البحث عنها، فكانت الجملة الأخيرة مؤثرة حين قال أبوها: اخلعي حذاءك. ما زال الوقت أمامنا.. فكان جوابها: خلعت حذائي الآن، قدماي حرتان، قلبي حر، وكذلك أنا.

هي رواية شيقة عن الانعتاق، بطريقة لا تشعرك بأن من يكتب هو ضحية، بل بقوة البحث، والحب، وحتّى لو لم تعثر على أبيها، فالرّحلة هي الأهم.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي