شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

عندما تعيد الثورة تشكيل هوية لبنان الفنية

2020-01-17

ميموزا العراوي*

لطالما كان المشهد التشكيلي اللبناني، لاسيما منذ أواخر الحرب اللبنانية حتى انطلاقة الثورة، مسكونا إما بانفصام تام عن الواقع ونكران لحدوث الحرب، وإما الغوص في ذكريات ما قبل الحرب أو خلالها.

تميز هذا المشهد الذي دام أكثر من عشرين سنة بظاهرة توالد المعارض الفنية من بعضها البعض لتكون -وإن كانت متميزة في الكثير من تفاصيلها بالخبرة والتعبير الفني- أشبه بمراحل تكوين لجنين واحد مشوّه يريد أن يفتح عيناه ليرى، أو يشفي ذاته بذاته، ولكن من دون افتعال أي حركة أو التفاتة تدخل تحت خانة التحريض على الخروج من إغماءة الذاكرة والحضّ على تصويب الاتهامات إلى الحد الذي جعل من لبنان فريسة الضياع والحروب المتنوعة الأمنية والاجتماعية على السواء. فكم طغت على ساحة الفن أساليب الفن المعاصر بعيدا جدا عن التصويري، بمعنى التشكيل المنحاز إلى نقل المشاهد الواقعية المباشرة وإن بأساليب ومواد فنية مختلفة.

ومن ناحية ثانية انحرف الكثير من الفنانين اللبنانيين إلى طلاق شبه كامل مع خصوصية البلد ليترجموا في أعمالهم تبنيهم الكامل لما يحدث على الساحة الفنية الغربية المعاصرة، مع كل ما تحمل من هرطقات مُستوردة جعلت من اللوحات المنجزة كأي لوحات تطالعنا على أي موقع فني/ إلكتروني عالمي.

ثم جاءت الثورات العربية مع ما أنتجت من أعمال فنية، لتكون أشبه بهزّة أرضية واسعة النطاق والعمق حوّلت نظر الفنانين اللبنانيين إلى خصوصية فنهم من جديد والتأمل كل بأسلوبه الخاص في ما عنت وتعني الحرب والأزمات وانعكاساتها عليهم وعلى لبنان وعلى نظرتهم إليه.

ولعب دور استضافة الصالات الفنية اللبنانية خلال السنوات العشر السابقة لعدد كبير من الفنانين المعروفين والناشئين العرب من تلك البلاد المنكوبة دورا لافتا في أن يتساءل الفنان اللبناني”أين أنا من كل هذا؟”.

قبل ذلك بفترة قصيرة غاب الفن اللبناني بشكل شبه كلي، إلاّ من بعض المعارض المتفرقة حتى جاءت الثورة اللبنانية كوجهة ثانية بعد الثورات العربية لكي تؤجّج الكامن وتهب الفن اللبناني دفعا جديدا لا يأخذه فقط إلى مستقبل يشبهه بل يعيده إلى الماضي عبر نظرة نقدية لا ترحم.

                           أعمال فنية تظهر غنى الثورة اللبنانية

ولعل أجمل ما قدّمته الثورة اللبنانية هي أنها “طلبت” من الجيل اللبناني الجديد إن هو أراد أن يكون واعيا بصدق إلى ما يحدث في حاضر لبنان أن يعود إلى الوراء وينبش تاريخ البلد القريب والبعيد كي يتعرّف على كل ما سيغني عمله الفني، وكل ما أراد الجيل السابق أن يدفنه في النسيان. فخرجت أعمال فنية بعضها جيد وبعضها الآخر رائع لناحية التعبير أو لناحية استخدام التقنيات المُشكّلة الملوّنة.

ونذكر منها ما قدّمته الفنانة اللبنانية لوما رباح من أعمال نشرتها تباعا على صفحتها الفيسبوكية توثّق فيها مشاهد المظاهرات بحدة لونية وارتجاج خطوط يصدق في التقاط نبض المظاهرات وحماسة الشعب المشارك فيها. وجاءت أيضا أعمال الفنانة راوية غندور زنتوت لتكون هي أيضا رصدا لمشاهد الثورة الواسعة وإن كان ذلك بنبرة أخف من تلك التي حضرت في لوحات لوما رباح.

ويُذكر أن الفنانة راوية زنتوت وللمفارقة رسمت لوحة السنة الماضية تظهر فيها ساحة الشهداء في وسط بيروت في عزّ ثورة لتخلد قسم الشهيد جبران تويني في ثورة الأرز التي عرفها لبنان قبل أكثر من 14 سنة.

عند سؤال الفنانة إن كانت تتوقّع أن تندلع ثورة في لبنان مجددا دون قائد غير الشعب، أجابت “حين رسمت تلك اللوحة، كانت من أجل عرضها في معرض نظمته مؤسسة جبران تويني. وعندما قرّرت رسم هذا المشهد مع القسم، أعادتني اللوحة سنوات إلى الوراء، فرسمت ساحة الشهداء، مع الثوار، والأعلام اللبنانية.. لم أكن أتوقّع إطلاقا أن يتكرر ذلك.. وعند انطلاق ثورة 17 أكتوبر، نزلت إلى الساحة في اليوم الثاني من الثورة، ورسمت عملا يجسد الساحة الثائرة مجددا بسرعة قياسية”.

 

الأعمال التي تروّى فنانوها بضعة أيام وأكثر، جاءت مُظهرة لغنى الثورة اللبنانية وحقها في كل ما تطالب به

ونذكر أيضا أعمال الفنان الغرافيكي والتشكيلي إيلي أبورجيلي الذي جسد أعمالا فنية قريبة من عالم اليافطات الثورية، ولكن مدموغة بنبرته الساخرة المعهودة وعشقه لمنطق الكولاج إن كان في الصور أو في الأشكال الثنائية الأبعاد المُستحضرة إلى أعماله. وأيضا لوحة مميزة للفنان اللبناني من أصل أرمني هرير ديار بيكريان الذي جسد امرأة لبنانية في مقدّمة اللوحة تحمل علما لبنانيا وتتخطى أسلاكا شائكة.

كما قدّم الفنان التشكيلي اللبناني شوقي شمعون لوحات عن الثورة الشعبية، وهو المعروف بفنه الهاجس منذ أكثر من عشرين سنة بجموع اللبنانيين المنتظرة على حدود أفق يغلق حينا ويفتح حينا آخر، ولكن ليبقى مادة مثيرة لقلقهم ولولعهم وشوقهم إلى الفرح والسلام الحقيقي على حد السواء. أما الفنان محمد عزيزة فقدّم مشهديات عديدة للحشود الشعبية طغت على معظمها حضور المرأة في ساحات الثورة.

إن كان لفن الغرافيتي والفن المصمّم خصيصا كي ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي المحكومين بحسن استغلال الوقت والسرعة في الإنتاج دعما للثورة، فالأعمال التي تروّى فنانوها بضعة أيام وأكثر جاءت هي الأخرى مُظهرة لغنى الثورة اللبنانية وحقها في كل ما تطالب به.

  • ناقدة لبنانية






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي