شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

المظاهر الثقافية في انتفاضة أكتوبر العراقية

2019-12-04

وارد بدر السالم*

ثمة موازنة بين الثقافي والاجتماعي في الحراك السياسي الجاري في العراق منذ أكثر من شهرين. ولعل الثقافي في مشهديته المتواضعة أخذ نسقاً جمالياً وتحريضياً لافتا. فعلى نحوٍ غير مسبوق في الانتفاضات والثورات والاحتجاجات العربية، تحوّلت ساحة التحرير العراقية إلى ورشة عمل كمدينة ثقافية شاملة، ترافق الهدير اليومي للمنتفضين الشباب وهم يمسكون حتى اليوم ثلاثة جسور استراتيجية تتجه إلى المنطقة الخضراء.

وليس غريبا أن ساحة التحرير؛ جمرة الانتفاضة ومكانها الرمزي؛ محاطة بمعالم فنية تاريخية معاصرة تروي حكاية الثورات العراقية السابقة، فنصب الحرية للفنان الراحل جواد سليم، والذي ينتصف ساحة التحرير هو أبرز المعالم الفنية العراقية، وعلى امتداده شرقا تنتصب جدارية كبيرة للفنان الراحل فائق حسن، وهي تستدعي فكرة الحرية أيضا.

وهذه المساحة غير الكبيرة التي يرابط فيها شباب الانتفاضة زخرت بكل المعاني الثقافية خلال أقلّ من شهرين، وتحوّلت إلى مشاهد رائعة وأماكن للتنوير والتثوير وتوصيف الحلقات الثقافية من دون خلفيات أيديولوجية مسبقة ولا شعارات للاستهلاك الثوري المؤقت، فقد توزّعت المكتبات المجانية في زوايا متعددة منها بأكشاك صغيرة وخيام يطالع بها الشباب الكتب الأدبية والمعرفية العامة في أوقات النهار والليل.

وأقيمت مسارح الفرجة عُرضت عليها مسرحيات مُرتجلة من قبل موهوبين أبرزوا قدراتهم الفنية على نحوٍ واضح في فضح سلطة الفساد. إضافة إلى المسيرات الجماهيرية على طريقة البانتومايم الصامتة وهي تشكل مشاهد مسرحية لها دلالات رمزية واضحة في الاحتجاج، ثم الندوات الثقافية والسياسية والمحاضرات اليومية في الخيام المنصوبة في كل مكان، كما أن الشعارات الثقافية التي تحض على المعرفة والعلم يمكن مطالعتها في كل اتجاه على مدار هذه المساحة التي تحوّلت إلى مدينة ثقافية وسياسية واجتماعية كاملة بين نصب عملاق وجدارية عملاقة كلاهما ينتصران للحرية، فتؤججان روح الحماسة.

ومع كل الصحف اليومية والأسبوعية “المبذولة” في بغداد والمحافظات، إلا أن الصحف التي أصدرها شباب ساحة التحرير لها نكهة خاصة ولون جديد من الصحافة الحرة التي تعبّر عن روحية المتظاهرين والثوّار والشارع العراقي كله، وتعبّرُ الخطوط الحمراء الرسمية لتكون صوت الميدان والشارع الحيّ الذي يرافق المتظاهرين من الجيل الجديد، الذي فاجأ السياسيين بحيويته وقدرته على الابتكار والتجديد، مثلما عكس بجدية واضحة النوع الثقافي الذي ما يزال رافدا مهمّا من روافد الانتفاضة،على عكس ما أشاعته السلطة من أن المتظاهرين هم من “صغار السن” و“مراهقين” و“مندسين” و“طرف ثالث”، وما إلى ذلك من تشبيهات يراد منها الحط من قيمة الشباب الذين أمسكوا معظم الجسور الواصلة إلى المنطقة الخضراء منذ ما يزيد على شهرين. وصاروا فنارات في الروح العراقية الجديدة التي تحررت من الكثير من عوائق السلطة ومحدداتها الطائفية الساذجة.

  ساحة التحرير العراقية حولها الشباب المنتفض إلى مدينة ثقافية شاملة

لا يمكن إغفال مسارح الشعر ومنصاته اليومية التي يتبارى فيها الشعراء في إلقاء قصائد الحماسة الوطنية وفضح سلوك السلطات الثلاث التي كادت تبيع البلاد إلى إيران، وهو ما عكسه الشعر الشعبي الذي يلامس ضمائر المنتفضين والارتجالات (الهوسات) العشائرية ذات الطابع التحريضي المناوئ للسلطة صراحةً. وما تزال أغنيات الحماسة الجديدة التي يكتبها ويلحنها شعراء هواة تثير المشاعر؛ مثلما لا نغفل متاحف الشهداء الصغيرة التي عُملت بطريقة جاذبة وفي أمكنة بسيطة من ساحة الأمة المتوارية خلف نصب الحرية.

نفق ساحة التحرير الواصل بين ساحة الخلاني وساحة النصر والمهمل منذ ستة عشر عاماً أعاد له الشباب الحياة بالرسوم والجداريات الكبيرة، وصار مرسماً حراً للموهوبين والفنانين الشباب الذين تركوا بصماتهم الجمالية عليه، وما يزال مزاراً للجماهير المتدفقة التي ترى فيه نوراً جديداً بألوانه الزيتية البارقة ولوحاته وبوستاراته التي تحكي قصة شعب يريد التحرر من سلطة الفساد، يضاف إلى كل هذا السبورات الحرة التي يكتب عليها الناس ما يريدون من خواطر وأبياتٍ شعرية قصيرة تعبّر عن لحظة التواجد النفسي المشارِك لفعاليات التظاهرات.

 

  • روائي عراقي

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي