شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

"نساءٌ بلا رجال".. روايةٌ بالعربية للمناضلة الإيرانية شهرنوش باسيبور

2019-11-30

مناهل السهوي

تعمل لغة هذه الرواية بهدوء شديد دون لافتات وكليشيهات تنادي بحقوق المرأة المسلوبة، ما يجعلها مقنعةً ومخلصة للأدب الذي لا تتفكك لغته بحسب الموضوع، هذا هو أول ملامح رواية “نساء بلا رجال” للروائية والكاتبة الإيرانية “شَـهْرْنُوش بارسِيبُور” الصادرة عن دار “صفحة سبعة” – السعودية، بترجمة “عبدالكريم بدرخان” ليحصل القارئ العربي على واحدة من الروايات “النسوية” بامتياز حيث تعمل كاتبتها على تقديم ذات المرأة وجوهرها بصورتها الأبسط بعيداً عن العناوين العريضة  والشعارات الرنانة والتكلف، إنها المنطق الحياتي، المرأة في مواجهة نفسها قبل كلّ شيء.

 خمس نساء مقهورات

تبدأ أحداث الرواية عام 1953 في طهران، العام الذي يحاول فيه الشاه الإطاحة بالوزير محمد صادق حيث تخرج الجماهير تضامناً مع الأخير، تحكي شَهْرْنُوش قصص خمس نساء، “مَهْدَخت” والتي تبدو أقرب إلى امرأة حالمة غريبة عمّا حولها لكنها في الوقت ذاته حبيسة جسدها ومجتمعها، تقرر أن تصبح شجرة لتتخلص من عبء البشر، “فايزة” التي لا ترى نفسها إلّا في الزواج وتسعى إلى ذلك على حساب أي شيء وهو ما يدفعها إلى التغطية على جريمة قتل صديقتها بدافع التقاليد، أما “مونيس” فهي صديقة فايزة،  فتاة تسعى إلى فهم العالم عبر تثقيف نفسها، لا ترضخ مونيس إلى شروط مجتمعها حتى في النهاية عندما يعود عالمها إلى التلاشي، أما “فروخ” فهي الزوجة المنهكة من زواجٍ ثقيلٍ دام 33 عام لكنها تنتفض لتبني عالمها الخاص في المزرعة حيث تجتمع النسوة الخمسة وكأنه عالم مصغر عمّا تحلم به النساء، أما رحلة “زارين” فهي عكسية فبعد عملها سنوات ينكشف لها الرجال على حقيقتهم، أجسادٌ بلا رؤوس، وهي الوحيدة التي تتزوج بعد انضمامها إلى هذا المجتمع الاشتراكي الصغير.

منذ البداية تتعرض كلّ واحدة منهن لنوع من الظلم الاجتماعي والقيود وتختلف كذلك ردات فعلهن، وتلتقي مصائر الشخصيات الخمس في مزرعة فروخ التي اتخذتها نقطة للبدء من جديد ينضم إليهم البستاني اللطيف، الرجل الوحيد الذي تراه زارين برأس، فتتزوج به لاحقاً، لكن خطط فروخ لاستعادة مكانتها في المجتمع تبوء بالفشل فلا تستطيع كتابة الشعر ولا النجاح حين تدفع لرسام شاب ليرسم لها بورتريهات، لتقرر ترك المزرعة والعودة إلى العاصمة في حلقة مفرغة من الهروب والعودة للتصالح مع النظام السياسي والبطرياركي ، لكن مع مزايا إضافية لتتخلى فروخ عن باقي النساء اللواتي اتخذن المزرعة مكان للبدء من جديد وإصلاح حياتهن، تعود المصائر لتواجه ذاتها في غياب الملاذ الآمن.

 رحلةٌ نحو الذات من خلال المجتمع

في أجواء من الواقعية السحرية تمتلكنا العديد من المشاعر المتناقضة من الخوف والقوة والخسارة والنجاح، هذه المشاعر التي تعمل كمنعكسٍ صريحٍ لمشاعر النساء اللواتي يواجهن مجتمعاتهن وحياتهن في مكان جديد مختلف عما عشنه في العاصمة.

ففي مكان طوباوي مختلق سيتعايشن مع تحولات روحية تنعكس على أرض الواقع لتغدو أقرب للأساطير التي تبدو غائمة ومفاجأة لكنها تنسجم مع سياقها التاريخي والسياسي، رحيل فروخ وعودتها للعاصمة يضع البطلات الأربعة مجدداً أمام مصائرهن.

تنقلنا شَهْرَنوش  إلى عالم صوفي شفيف ومفعم بالحياة داخل المزرعة وتفاصيلها حيث تزرع امرأة نفسها وتغدو شجرة وتتحول أخرى إلى ضوء لكنها ليست بالتحولات التي تدل على سعة الخيال والغوص في الأساطير ، وحسب إنما تحوي داخلها تاريخ النساء وشكل رغبتهن في التغيير، يقول بدرخان في ملاحظته حول الرواية أن المكان يقترب من المجتمعات الفاضلة عند الطوباويين الاشتراكيين، ومن خلال ذلك تربط الكاتبة بين النسوية والاشتراكية.

وفي لقاء مع عالم نور تحدث عبد الكريم بدرخان عن دافعه لترجمة هذه الرواية قائلاً: “في الحقيقة كان للمخرجة الإيرانية “شيرين نِشاط” الفضل الكبير في لفت انتباهي إلى هذه الرواية، ذلك بعدما شاهدتُ فيلمها “نساء بلا رجال” المقتبس عن أحداث الرواية بنسبة 60% تقريباً، والمخرجة “نِشَاط” مهمّة من الناحية الفنية إلى جانب أهميتها كناشطة سياسية ونِسْوية. أما كاتبة الرواية شَـهْرْنُوش بارسِيبُور فهي شخصية عميقة ومناضلة، زارتْ سجونَ الشاه مثلما زارت سجون الجمهورية الإسلامية، ولم يُترجَم شيءٌ من نتاجها الغزير إلى العربية قبل هذا العمل.

يتابع بدرخان: “يعود اختياري لهذه الرواية -التي ترجمتُها عن لغة وسيطة هي الإنكليزية- إلى أسبابٍ ثلاثة: الأول هو قلّةُ اطّلاعي الخاصّ وقلّةُ اطلاعنا العامّ على الأدب الإيراني الحديث، السبب الثاني يعود إلى أنها رواية نِسْوية، نِسْوية مستندة إلى فكر نِسْويّ اشتراكي، على خلاف الصُّراخ العالي والشعارات الجوفاء التي نراها عند الأُخريات. والنسوية بالنسبة إليّ ليستْ قضية ثانويةً نؤجّلها كلَّ مرةٍ بحجّة وجود قضايا أهمّ منها؛ كالثورات والحروب والصراع ضدّ الإمبريالية أو الرجعية… إلخ، فكما تقول نوال السعداوي: “ما هي القضية التي تعلُو على قضية تحرير نصف المجتمع؟”.

   

كاتبة الرواية شَـهْرْنُوش بارسِيبُور شخصية عميقة ومناضلة، زارتْ سجونَ الشاه مثلما زارت سجون الجمهورية الإسلامية، ولم يُترجَم شيءٌ من نتاجها الغزير إلى العربية قبل هذا العمل

السبب الثالث هو أن هذي الرواية التي تُحسَب على أدب الواقعية السحرية؛ ليست رواية مُتغرّبة، بل هي ابنة التاريخ والثقافة الإيرانية، ففيها شيءٌ من التصوف الإسلامي، وفيها نبرةُ سرد شهرزادية، وفيها إضاءة على حياة الإيرانيين في خمسينيات القرن الماضي، إلى جانب نضال كاتبتها وسيرتها الذاتية المضيئة”.

يذكر أن شَهْرْنُوش بارسِيبُوس كاتبة إيرانية، ولدت في طهران عام 1946 وسجنت ثلاث مرات بسبب كتاباتها، كتبت روايتها الأولى “الكلب والشتاء الطويل” في الثامنة والعشرين من عمرها، وكتبت كذلك أول رواية خيال علمي في الأدب الفارسي بعنوان “شيفا”، وتعتبر كاتبة غزيرة، كتبت في القصة والرواية والمذكرات، من أعمالها: “مغامرات روح الشجرة”، “آسيا بين عالمين”، “الكرة الحمراء”.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي