شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

فخّاريات من واحة قُريّة في الحجاز يتكرر فيها الحضور التصويري الحيواني

الأمة برس
2025-09-02

ست قطع فخارية من موقع واحة قُريّة في منطقة تبوك (الشرق الأوسط)تضمّ أرض الحجاز واحات أثرية مسوّرة عدة كشفت حملات التنقيب المستمرة عنها في العقود الأخيرة، أكبرها من حيث المساحة الجغرافية واحتان تتبعان منطقة تبوك، في الشمال الغربي من المملكة العربية السعودية. تُعتبر واحة تيماء أكبر هذه الواحات وأشهرها، كما أنها أغناها أثرياً، تليها واحة قُريّة التي تقع إلى الشمال الغربي من مدينة تبوك، وتبعد عنها نحو 63 كيلومتراً. خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى، منها مجموعة كبيرة من القطع الفخارية المحلية تشهد لازدهار طراز خاص أطلق عليه أهل الاختصاص اسم «طراز قُريّة»، بحسب الشرق الأوسط.

مرّ بواحة قُريّة عدد من الرحالة في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، ويُعتبر المستشرق الألماني برنهارد مورتس أوّل من توقّف فيها وقدّم قراءة تمهيدية لمعالمها في عام 1906، وتبعه المستعرب البريطاني جون فيلبي الذي قصدها في عام 1951، ونشر بعد خمس سنوات مقالة علمية قصيرة حملت عنوان «أطلال قُريّة الضائعة»، استعرض فيها تضاريس هذا الموقع ومنشآته المعمارية. هكذا خرجت قُريّة من الظل إلى النور إثر هذه الدراسة، فزارتها في عام 1968 بعثة علمية من جامعة لندن ضمّت ثلاثة من ألمع كبار الخبراء، ونشرت أوّل مخطّط توثيقي للمستوطنة، حدّدت فيه آثارها المرئية الشاخصة، وما تبقّى من آثار المنشآت المعمارية القائمة فيها.

بدورها، شرعت إدارة الآثار والمتاحف السعودية بدراسة الموقع ضمن برنامج المسح الأثري الشامل لأراضي المملكة، وبعثت في عام 1980 بفريق خاص أجرى مسحاً للموقع ضمن مسحه لمواقع الإقليم الشمالي الغربي للمملكة، ونشرت هذه البعثة في العام التالي تقريراً تحدّثت فيه عن أهم اكتشافاتها في قُريّة. دخلت هذه الدراسات منعطفاً جديداً مع تولي بعثة خاصة تابعة لجامعة الملك سعود دراسة موقع تيماء، واستكشفت هذه البعثة قُريّة بشكل معمّق في عام 2008. بعد سنوات، عقدت هيئة التراث السعودية اتفاقاً مع جامعة فيينا النمساوية لإجراء مسح جديد شامل لهذا الموقع، وشرعت هذه البعثة المشتركة في القيام بهذه المهمة منذ عام 2014، وخرجت بتقارير متواصلة تناولت تاريخ المستوطنة الطويل، وميراثها الأثري المتعدّد الوجوه.

احتلّ نتاج الفخار في هذا الميدان الواسع موقعاً خاصاً، وتجلّت هذه الخصوصية في السجال المتجدّد حول هوية هذا النتاج الفنية، وتطوّر خصائص الأساليب المعتمدة في صناعته. تقع واحة قُريّة في منطقة تبوك التي تحدّها من الشمال المملكة الأردنية الهاشمية، ومن الغرب خليج العقبة والبحر الأحمر، ومن الشرق منطقتا الجوف وحائل. شكّلت هذه الواحة في الماضي موقعاً مركزياً لصناعة الفخار، استمرّ في العمل على مدى قرون من الزمن، كما تشهد الأفران الخاصة بهذه الصناعة التي كشفت عنها حملات المسح. وتظهر دراسة هذا النتاج المحلّي تماثلاً كبيراً مع نتاج خرج من مواقع تعود اليوم إلى سيناء وجنوب الأردن وجنوب فلسطين، وأشهر نماذج هذا النتاج قطع حافظت على تكوينها بشكل كامل، مصدرها وادي تمناع، غرب وادي عربة. تماثل هذه القطع في تكوينها قطعاً خرجت من تل الجزر، وهو موقع مجاور لمدينة الرملة، يمتد على حافة سلسلة الجبال التي تربط الساحل بالقدس، كما تماثل قطعاً خرجت من خربة النحاس، وهو موقع من منطقة وادي فينان في وادي عربة، ويتبع إدارياً محافظة الطفيلة في الأردن.

أطلق أهل الاختصاص على هذا الفخار في الماضي القريب اسماً جامعاً هو فخّار مديان، ومديان اسم تكرّر في أسفار التوراة، وهو اسم منطقة من «أرض المشرق» كما جاء في سفر التكوين (25: 6)، تمتدّ على الأرجح من خليج العقبة إلى موآب وطور سيناء، سكنها موسى فترة من الزمن، كما جاء في سفر الخروج (2: 15) وسفر العدد (10: 29). ومديان في زمننا اسم منطقة تقع شرق خليج العقبة، وبه عُرف هذا الطراز من الفخار، غير أنّ اكتشافات قُريّة أحدثت تحوّلاً في هذه القراءة، وجعلت من اسم هذه الواحة اسماً جامعاً لهذا النتاج، ذلك أن فخار النقب يعود إلى حقبة تمتد من القرن الثالث عشر إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وتظهر الدراسات الحديثة أنه خرج على الأرجح من الحجاز. شكّلت قُريّة تحديداً مركزاً رئيسياً لهذا النتاج الواسع، كما يميل البعض إلى القول، ومن هنا سُمّي هذا النتاج باسمها، بعد أن سُمّي باسم مديان.

يُمثّل فخار قُريّة نتاجاً واسعاً يصعب اختزاله بسهولة. تبرز خصائص هذا النتاج في العديد من النماذج، منها على سبيل المثل وعاء بقي منه الجزء الأعلى، عُثر عليه خلال عام 2018، وفيه يظهر حيوان لعلّه من الخُشْف، أي ولد الظبية، وسط تقاسيم هندسية خطّت باللونين الأسود والأحمر. تشكّل هذه التقاسيم شبكات خُطّت باللون الأسود، ترتسم أفقياً على عنق الإناء. وتقابل هذه الشبكات خطوط عريضة ترتسم أفقياً على أذن هذا الوعاء. يحضر الخُشْفُ في وضعية جانبية في الجزء الأوسط من الإناء، وفقاً لأسلوب خاص تظهر ملامحه في تحديد مفاصل بدنه كما في رسم ملامح وجهه.

يتكرّر هذا الحضور التصويري الحيواني في مجموعة كبيرة من القطع الجزئية التي وصلتنا ككسور، منها قطع عُثر عليها خلال عام 2017، يظهر فيها أيل يعلو رأسه قرنان كبيران مقوّسان. في المقابل، تشهد قطع مشابهة لظهور الجمل بشكل هندسي محوّر. في كل هذه الصور، يحضر الجمل المعروف بالجمل العربي، وهو النوع الذي يعيش في المناطق الصحراوية الحارة، مثل شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، ويمتاز بوجود سنام واحد على ظهره.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي