شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

أن تكون كاتباً في عالم الطغاة

2023-06-04

باسم النبريص

كونك كاتباً ملتزماً بالواقع، لا يعني أن تكون عاكساً لأحداثه، بشكل ميكانيكي، بل أن تخلق عالماً موازياً له وندّاً. هكذا أفهم الواقعية في الأدب، وأيضاً مفهوم الالتزام. الواقع مادّتك الخام، ومسرى فنّك أن تخلق منه ما تشاء من التسطير، مبنىً ومعنىً.

إنّ سرد حقائق موضوعية غير مريحة للدولة التي تعيش فيها (هي مسبّبتها بالأساس)، لَينطوي على مخاطر جسيمة في النظام العامّ. لقد ثبت ذلك من خلال حقيقة أنّه قد اضطُهد أدباء وفنّانون، على مدار السبعين عاماً الماضية، في كلّ بلد عربي، تقريباً. فالكاتب عند هذه البلدان، مكانُه وخياراته محدودة: إمّا الانضمام لجوقة كتّاب السلطة، وإمّا السجن أو النفي، وفي أحيان نادرة: القتل.

أن تكتب، وتظلّ مواظباً على الكتابة، حتّى لو هُم اعتبروا ما تفعل يفوق حتى جرائم الرأي، لأنّه محكوم عليك بكتابة ما ثبت على نطاق واسع. لمثل هذا الاضطهاد الخانق، من الضروري إضافةُ المزيد من الأشخاص الموقوفين والمُدانين لكونهم فنّاني كلمة أو رسم أو سوى ذلك.

حتّى طالت يد الرقيب الثقيلة رسّامي كاريكاتير أو محرّكي دمى أو ممثّلين أو مستخدمين للشبكات الاجتماعية التي تنتقد الظلم. إنّ يدهم، بداهةً، تنتهك حرّية التعبير، مثلها مثل العديد من الحرّيات والحقوق الأساسية الأُخرى، انتهاكاً خطيراً ومنهجياً، وكلُّ هذا يحدث، في زحمة العالم، بينما يتمتّع الفاشيون منهم في كلّ بلد بمكبّرات الصوت القوية (وخاصة بعد الربيع العربي المغدور، واستبداله بثورات مضادّة، ولاؤها الأكبر لكيان الاغتصاب، سواء من فوق أو تحت الطاولة).

أنت أيّها الفنّان، تسير في خطّ هشّ مع نفسك. وإذا حدث أيّ شيء، أو تركك النبع ومضى، أو تغيّرت العلاقة بينكما بالطبع، فأنت روح ساقطة بلا وسيلة للاستيقاظ. أيجب على المرء أن يحبّ عمله بطريقة صحّية من خلال جعل نفسه دائماً الرقم واحداً في الرعاية الذاتية؟

ومهما جارت عليك الظروف، وحتّى إن نسيت الكثير، فلا تنس الحكمة الخالدة في أن تكون كاتباً. لا تقمع حديثاً خيالياً مع مجريات واقعك. خلاصة القول هي أنّ التخيّل لا يؤذي أحداً. تشجيع الحديث عن الأوهام يمكن أن يزيد بشكل كبير من عمق العلاقة الحميمة في الرابط بينك وما تقرأ وتكتب.

قُل للعالم: يا هذا، حتى نشعر كلانا بالأمان في مشاركة ما نحن عليه مع بعضنا البعض، لا بدّ أن تمنحني، كلّ يوم، مزيداً من السخاء الخيالي.

إنّ تقديم التنازلات للسلطة، أيّاً تكن، يعني دائماً التراجع عن حقيقة نفسك، لا من أجل إسعاد الآخر أو جعل العلاقة تعمل، ولكن فقط كي تتّقي أذى الحاكمين. لكن اتّخاذ هذه الخطوة إلى الوراء قد يعني خيانة حقيقتك ورغباتك الخاصّة.

وكلُّ هذا يعني كبح نفسك في السعي وراء ما تريده حقّاً. في النهاية، عندما كلاكما، الواقع وأنت، ليس بينكما من حلّ وسط، لن يكون كلاكما راضياً تماماً عما اتّفق عليه سواكما.

إنّ من طبيعة الكتابة أن سيُعاني كلُّ شريك في بركة الطين الصغيرة الخاصّة. لذا، اختر ما تريد، حتى لو كان ذلك يعني أنّك لن تقضي كلّ الوقت معاً مع رحمة خيالك!

أبداً لن تكون هناك أيّ بصيرة دائمة في تجاهُل كلّ ما سبق، وهو غيض من فيض أن تكون كاتباً في عالم الطغاة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي