شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

شعراء خطاطون.. حينما يلتقي شغف الحرف العربي بغواية الشعر

2020-07-12

صدام أبو مازن - صنعاء

كثر هم الشعراء أينما اتجهت، لكن قلة قليلة هم الذين جمعوا بين موهبتين عظيمتين: الشعر والخط.

في هذا التقرير نقترب من عوالم 3 شعراء عرب، من اليمن وتونس ومصر، يجيدون فن الخط العربي، ولكل منهم حكايته، لكن يبدو أن الشعر طغى على موهبة الخط والنقش بالحروف، إذ إنه فضاء لا نهاية له، فيما يبقى الخط فنا للمتعة والجمال وربما لحظة هروب من معركة الشعر وما يستنزفه من جهد وتفكير وتحليق في سماوات الخيال البعيدة.

مفاجآت الحمادي

يحيى الحمادي واحد من أهم كتاب القصيدة العمودية في المشهد الشعري اليمني والعربي الراهن، وهو أيضا رسام بورتريه مدهش، لم يكن مفاجئا لأصدقائه ومتابعيه على فيسبوك أن يطل عليهم بين فترة وأخرى بنماذج من أعماله الفنية كخطاط وإن لم يستثمر موهبته في الخط كما يجب، إلا أنه أعطى الشعر الكثير من وقته وانشغاله، وحصيلته حتى الآن 6 دواوين شعرية هي: عام الخيام، ورغوة الجمر، وحادي الخيام، والخروج الثاني من الجنة، ونحت في الدخان، واليمن السعير.

موهبة الحمادي في الخط قديمة تعود إلى المرحلة الأساسية في المدرسة، حيث بدأ بكتابة الوسائل التعليمية، وبعدها في المرحلة الثانوية الكتابات والرسوم على الحائط الداخلي للمدرسة، قبل أن ينتقل إلى المدرسة الفنية بصنعاء، والتي تعلم فيها قواعد الخط العربي على يد الخطاط العراقي الراحل جعفر عبود.

التفكر في الجمال

"كانت البداية إذًا للخط وهو باعتباره القائد إلى الشعر، وذلك من خلال الأبيات الشعرية والمختارات القرآنية التي نقشتها أنا أو نقشها الخطاطون القدامى قبلي، حيث إن التمعن في تفاصيل الحرف وانسياباته وتعرجاته الأنيقة يجعلك أكثر وعيا وتدبرا لمعاني الكلمات، فالتفكر في الجمال هو البوابة الأوسع والمورد الأعذب للإبداع" يقول الشاعر والخطاط اليمني يحيى الحمادي في حديث لوسيلة إعلام عربية.

الحمادي مأخوذ بالشعر وعوالمه، ومفتون بالخط ومتعته، ويعترف هنا بأن "الشعر عملية معقدة وتتطلب الكثير من الوقت والصبر، سواء من حيث التثقيف والمواكبة أو الكتابة، بعكس الخط الذي في حال إجادتك لقواعده وشروطه فإنه يصبح متعة ومتنفسا تلجأ إليه دون جهد مضن، ولهذا -بالنسبة إلي- فقد استأثر الشعر بالنصيب الأكبر من الوقت والجهد، واستأثر الخط بالنصيب المستحق من الجمال والمتعة".

ومن بين الخطوط التي يجيدها الحمادي: الرقعة، والنسخ، والديواني، والثلث، والكوفي، غير أنه يميل في كتابة اللوحات إلى الخط الديواني الذي يصفه بأنه الأقرب إلى نفسه كفنان تشكيلي وشاعر، ويعلل ذلك بالقول "ربما لأنه أكثر الخطوط مرونة، كما أنه يعطي الخطاط مساحة مريحة للخروج عن القواعد التي تكبله بها بقية الخطوط، فمع الديواني بإمكانك أن تخرج عن النقاط التي ترسمها القاعدة، وتقوم عليها قامة حرف الألف مثلا، فتزيد فيها أو تنقص منها وتكبرها أو تصغرها بحسب الشكل الفني الذي تريده للوحة، تماما كما هو الحال مع الخط الحر أو ما يسمى المودرن".

وفي سياق 6 سنوات من الحرب اليمنية يشير الحمادي إلى أنه لم يستغل موهبته في الخط بعد إلا في أقل الحدود لأسباب، أبرزها عدم الاستقرار الشخصي والمجتمعي والثقافي، وشح الجهات التي تتبنى مثل هذه الفنون، كما يقول.

ورغم ما يعانيه فن الخط العربي من إهمال وتقصير من قبل الجهات المعنية حاليا فإن الحمادي يجزم أنه ليست هناك "وسائط" بإمكانها أن تنافس أنامل الخطاط في تشكيل الحروف وتطويعها بالصورة التي تعطي المتلقي جرعة جمالية هنيئة يشعر معها أن للحرف صوتا وصورة وروحا، وذلك ما لا تستطيعه هذه الوسائط مهما بلغت إمكاناتها ودقتها، إلا أنه "لا ضير على الفنان أن يجاري هذه الوسائط بتطويعها لخدمة فنه، بمعنى أن تكون مكملة لما يبدعه، لا مستغنية عنه".

ختاما، يتمنى الخطاط اليمني الحمادي أن تكون هناك إرادة حكومية تحمل على عاتقها إنشاء أكاديميات لتعليم الخط العربي وقواعده وتشجيع التجديد والابتكار فيه، وكذلك بناء متاحف مراكز بحثية تجمع فيها الأعمال الفنية وتعمل على الأرشفة والتأريخ لها، بحيث يسهل على الفنانين والباحثين عملية الدراسة والبحث.

مفارقة جميلة

المنصف التونسي، شاعر وموسيقي وخطاط تونسي، يقيم في جزيرة جربة بالجنوب الشرقي التونسي، ولعل المفارقة أنه يكتب الشعر باللغة الفرنسية، ويترجم الشعر من وإلى العربية والفرنسية، لكنه يمارس فن الخط بلغته العربية، إذ إنها لغة هندسة حروفية ونافذة جمال بين اللغات العالمية.

بدأت موهبة الخط لدى المنصف التونسي منذ الإعدادية في السبعينيات، ويروي ذلك بكلماته "بدأت أحب وأهتم بالخط العربي وتعلمه منذ الصغر، وهو أول ما اهتممت به مع الموسيقى قبل الشعر، ثم بدأ شغفي باللغة العربية والفرنسية (لغة فولتار ولامارتين) وأحببت الشعر باللغتين قراءة ومحاولات كتابة، خاصة الفرنسية التي تميزت بها، وبعدها انتقلت إلى مرحلة ترجمة الشعر من وإلى العربية والفرنسية، حيث ترجمت قصائد ومجموعات شعرية لبعض الشعراء".

"جبرانيات" بخط اليد

بخط يده على القماش تألق منصف في كتابة عبارات وأقوال للشاعر اللبناني المهجري الراحل جبران خليل جبران، نذكر منها: "اصبر فالحيرة بدء المعرفة"، و"القوي ينمو بالعزلة أما الضعيف فيموت".

كل أنواع الخط جميلة، وفقا لمنصف لكن "الأنواع التي تشدني أكثر الكوفي النيسابوري، الديواني، جلي الديواني، المغربي".

ويقول التونسي إنه مثل جل الفنانين لم يبلغ ما يتمنى في ميدان الخط بحكم عدم توفر الفرص وحيث إن الخط كان مهمشا ومغيبا في بلده، إلا أنه يشير إلى أن الاهتمام بالخط وبالقائمين عليه بدأ رويدا في الآونة الأخيرة في تونس.

وفي رده على سؤال بشأن "استخدام الوسائط الرقمية" ضدا للكتابة بخط اليد كموروث عربي قديم، يقلل المنصف من القول الذي يعتقد أن الوسائط تهدد فن الخط العربي التقليدي، ويوضح أنه "لا علاقة لفن الخط العربي بالذي ينجزونه بالوسائط الرقمية، فهو باق وراسخ كما توحي به مسيرته عبر التاريخ".

ويختم التونسي حديثه بالقول إن الحرف العربي "تحفة التاريخ وعقدة التقنية (الرقمية)" مثلما قال أحد المختصين في الحرف العربي المعاصرين، كما أن الخط فن نبيل لا ينجز إلا بواسطة اليد (هندسة روحانية بآلة جسمانية) لا يندثر ولا يزول، وفق تعبيره.

وغير بعيد، في محافظة السويس المصرية يعكف الشاعر والخطاط أحمد عايد (معلم اللغة العربية والذي أصدر حتى الآن 7 مجموعات شعرية) حاليا على كتابة "القصيدة المنفرجة" لابن النحوي بخط يده، وذلك ضمن يوميات العزل والحجر الصحي بسبب وباء كورونا، وهي قصيدة من 40 بيتا عن الفرح، وفيها التجاء إلى الله وموعظة وبشارة بالفرج.

الشعر أولا

كان عايد -والد أحمد- حسن الخط، ولهذا فقد حرص على أن يكتب أولاده من كراسة الخط التي تدرس في المدرسة، وهذا ما عمله أحمد في الثانوية، إذ نما شغفه بفن الخط أكثر، ليلتحق في الجامعة بمدرسة الخطوط، وبعد انتهاء الجامعة اندمج في مجتمع الخطاطين المصريين.

"لكن الشعر كان سابقا، أول قصيدة كتبتها كانت في الثامنة والنصف"، يقول الشاعر والخطاط أحمد عايد، مشيرا إلى أن "الشعر والخط كلاهما ابن الحرف، كلاهما يعبر عما داخل النفس، كلاهما يمثل ثقافة ودقة ورؤية وبراعة صاحبه، أعتبر نفسي شاعرا في المقام الأول".

ويشير عايد إلى أن لدى العديد من أصدقائه قصائد له بخطه طلبوها "لكن أتذكر مرة نشرت على الفيس بيتا فأعجب أحد الخطاطين الأصدقاء فخطه بيده، وكانت هذه من أجمل المفاجآت التي حدثت لي".

وأوضح عايد أنه درس الخطوط الرئيسية في مدرسة تحسين الخطوط "لهذا لدي عين ناقدة جيدة، لكني أجدت وأتقنت خط الرقعة والديواني على يد أستاذي حسانين مختار حفظه الله، وأدرس الآن خط النسخ".

أما بشأن استثمار موهبته كخطاط من عدمه، فإن لأحمد عايد وجهة خاصة ومغايرة، فهو يرى أن الخط سبيل للمتعة والرؤية والجمال، ويضيف "أظن أن الجمال يتشوه حين يصير وسيلة لا هدفا".

ويقول عايد إنه منذ أكثر من 10 سنوات شهدت مصر صحوة خطية قوية تتمثل في جيل يتقن الأصول ويواكب العصر.

ختاما، يتمنى عايد أن يتم توظيف الخط العربي وجعله جزءا من هويتنا، وأن يتم استخدامه في جميع مناحي الحياة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي