شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

غسان كنفاني .. حكايتنا لم تنته بعد!

2020-07-09

 سعيد الشيخ*

ليسمح لي ضجيج صمتك أن أبوح بأن خفقات حبرنا هي من روح ما خطته يداك.. حينما كنا أطفالا يضمنا المخيم طريين كطينه وأعواد أشجاره الخضراء… لذا لم نكبر من فراغ، نمونا في ظلالك.. وفي لوعة غيابك، غيابك القاسي.

ونحن في نشوة أحلامنا نتوق إلى دالية أم سعد أن تتعرش فوق سقوف مخيماتنا، وألى البنادق التي طالما هاجرنا النوم ونحن نفكر في كيفية تفكيكها وإعادة تركيبها.

يومها، لم يكن خيالنا يصل إلى انهم يستطيعون النيل منّا باغتيالك. فأرخت الوطأة ثقالها، وكنا صغاراً نتهجّاك كيفما أدرْت قلمك، فكيف نتهجي استشهادك*؟

يا سيد الياسمين، الوقت كان من نهوضنا، فكيف تغفو؟

أكان على جدلية الحياة والموت أن تأتي بالمعجزة وتمسك بطرفي الحياة.. كي تذهب عميقا في صرحنا العالي، إلى سماوات كينونتنا المشردة. شريدون في حياتنا وشريدون في مماتنا. نتوزع قهراً ونكسب أكثر من هواء، نخسر عمرا ولا ننهزم. نحاول المكان، خط استواء لحياتنا الآتية، فوق طبقات الرماد، من جمر سنوات قهرنا وتيهنا. نرسل دماءنا مداداً لارتعاشات التراب وأوصال البلاد حيث الهتاف دونك انحراف النخيل، أو صهيل في الفرار. أقمنا المتاريس أعراسا للاشتباك.

امتلأنا بحبك حتى سال الورد من ملء أعمارنا الذاهبة إلى إشارات بوصلتك.

في روايتك عائد إلى حيفا نعود، لنبحث عما خلفناه في كمية رعبنا ونحن نلوذ من أنياب الحديد. نكتشف عارنا تمثل في ديفيد الذي كان خلدون. فتصوغ إشكالية القضية من جذورها، منذ آدم علي الأرض وقبل نشوء ممالك الأديان. وننتهي إلى أنّ الإنسان يظل قضية القضايا، والقضايا الأخرى تتأسس على قضية الإنسان.

ضائعون فتدلنا، نائمون فتوقظنا.. يا أولنا خرجنا نبحث عن ظلك في كل الأمكنة التي وطئتها والمساحات التي لونتها، عن بحثك بحثنا وغير وجوهنا لم نر، مغبرين، مشردين، نمسح عن الخيمة وحل الطرقات والغبار عن الروح. نتهجى التفاحة رسما لم تمسكه يدانا ولم تذقه نفوسنا. كانت التفاحة حلما وكان كل شيء مرّاً.

يا حلمنا أيها الأول

يا خالق جلدنا، ديباجة المشقة

وكنا نرتعش

فتحنا عيوننا، وكنت تهز نومنا

إلى الأشياء، إلى الأشياء

حتى اهتدينا إلى الأغاني.

زهر الحنّون أزهر في دفاترنا حينما لامسته يداك، وقمر المقابر من فتحات الأشجار لم يكن غير قمر الطريق الطويل والشاق، حينما الصبي إلى القلعة متأبطاً مارتينته وما زال حارسا الخيمة، يذود عن الفكرة التي لا تبتعد عن معاني الحرية والتي تطاولت على حجم الكون. فكرة مثل نرجسة التمني منك شذاها، بملء نزيفك، يا مطر مواسمنا.. إذا هطلت، كم حاكورة تخْضّر امتداداً إلى دفاترنا وإلى منديل أم سعد حيث يلوح عن هوى الروح، ويمنحنا صلابة في زمن الاشتباك.

ونخاف.. كي نشعر كم ارتقي الإنسان فينا.

النص الآخر نحو فلسطينك، آنذاك، كان خارجاً عن تاريخ الانكسار وجغرافيا التسييج. كان يسبح على عكس تيار الهوان العربي.. تأسيساً لواقع يبدو أشبه بالمستحيل. ولكن أبطالك كانوا يمرون كالهواء إلى العقل. يسكنون الوهج والنجوم حتى يتجسدوا في كلّ قابض على الجمر.

هو انتشارنا الذي من فداحة الخيبة، ياسمين البطولة وانكسار عوسج الخيام.. تزرع فينا الأمثولة.. وكم من الآفاق تذوب تحت أقدامنا، ذوبان الصعوبة والأسئلة العصية.

كأننا من زمان المعجزة، نأتي على غير موعد الهزيمة ننفخ في الصحراء ريح الحياة.

كم انفجار…النص الذي تشغله ينسكن بالتفجير. تفجير أن يكون لنا ما لكلّ الناس.. من حرية وأحلام.

روايتنا لم تنته يا غسان

أم سعد ما زالت ترقب داليتها وتنتظر سعد العائد من الجبال.

وما زال ديفيد يسكن دبابته، ولا يملّ من هرس جماجم أطفال المخيمات وإحراقهم.

والطفل يصعد ولا يملّ الصعود الى القلعة.

وخزان الحديد يطن في الصحراء

طرقناه.. طرقناه.. طرقناه يا غسان

حتى ذهب عنا الموت.

*قضى غسان كنفاني قضى يوم 8-7- 1972 بتفجير سيارته في عملية اغتيال إسرائيلية وحشية في بيروت.

 

  • كاتب فلسطيني






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي