شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

ابن سينا.. العزلة السعيدة مضاد حيوي ضد "كورونا"

2020-04-24

تمثال ابن سينا في مكتب الأمم المتحدة في فيينا

غالية خوجة

لو كان بيننا الطبيب الشاعر العالم الفيلسوف «ابن سينا» لنصحنا بالفرح والموسيقى والقراءة والفنون لتكون عزلتنا سعيدة ومضاداً حيوياً لوباء «كورونا» المعاصر، إذ يمكن القول إن نعتبر «ابن سينا» قد استشرف حضور أمثال هذا الوباء منذ أكثر من 1000 عام، وذلك من خلال اكتشافه لفيروسات لا تُرى بالعين المجردة.

ولو سألنا «أبو العلي الحسين بن عبد الله بن سينا» عن العلاج المناسب، لأجابنا: «عليكم بالتصحّح، أي الحجر والنظافة الشخصية والرياضة وتعطير الهواء بالنباتات الطبيعية والاعتماد على الفواكه»، ولأضاف: «الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء».

عالم معاصر

ابن سينا المولود في «بخارى» عام 980 م، ما زال وسيبقى من العلماء المعاصرين، رغم أنه من أشهر علماء العصور الوسطى، لأسباب عديدة، أهمها آراؤه الثاقبة في تشخيص وعلاج الأمراض، مثل الربو، اليرقان، السرطان، الالتهاب السحائي، ووصفاته الدوائية المتطابقة مع نتائج البحوث الحديثة، وهي جزء مما يتضمنه كتابه «القانون في الطب» الذي يصف أكثر من 700 دواء مع الخصائص والمميزات، إضافة إلى أنه أول من فصلَ بين الكوليرا والطاعون ووصف الجذام، وقسم الأوعية الدموية إلى شرايين وأوردة، واكتشف العدوى كما في الجدري والحصبة، واشتُهر بتطبيقاته لفلسفة وطرائق أرسطو، واستمرارية الفلسفة الفارابية.

طلبه سلطان بخارى نوح بن منصور السمندي لمعالجته بعدما عجز عن ذلك أطباء القصر، وكافأه بالسماح له باستخدام المكتبة الملكية، ونتيجة لاستغوار ابن سينا الموسوعي، وحساسيته الشعرية العالية المرتبطة بعلم النفس، أولى الأهمية للأمراض النفسية وتأثيراتها على الصحة العامة للإنسان.

حفظ ابن سينا القرآن الكريم وهو في العاشرة، وبدأ مع الطب في عمر السادسة عشرة، ومع الكتابة في عمر الحادية والعشرين، في عدة مجالات، منها الفيزياء، والهندسة، والرياضيات، والميتافيزيقيا (علم ما وراء الطبيعة)، وعلم الفلك، خصوصاً أنه رصد كوكب الزهرة بالعين المجردة وهو صاحب نظرية الزهرة أقرب إلى الأرض من الشمس، واخترع جهازاً لرصد إحداثيات النجوم، إضافةً إلى الموسيقا، والشعر، وعلم اللغة، وعلم النباتات وعلم الجيولوجيا.

ألف 450 كتاباً، وصلنا منها 240 كتاباً، ويعود تاريخ أقدمها لعام 1001م: الحاصل والمحصول، المكوّن من 20 مجلدّاً يتحدّث عن كافة العلوم، وكتاب المجموع في الرياضيات، وكتاب الفضيلة والخطيئة الذي يتناول موضوعات الأخلاق، كما نذكر «كتاب الشفاء» وهو موسوعة علميّة وفلسفيّة ضخمة، تضّم علوم الهندسة، والفلك، والميتافيزيقيا، وعلوم الرياضيات، وجملة من العلوم الطبيعيّة، وعلوم الموسيقا، وكان هذا الكتاب عملاً رئيساً للمنح الدراسيّة الإسلاميّة في العصور الوسطى.

أمير الأطباء

مرّت حياة ابن سينا الملقب بـ «الشيخ الرئيس» و«أمير الأطباء» بمنعطفات مختلفة، أهمها وفاة والده عام 1002م في الحرب، وهذا دفعه إلى الترحال والتنقل، وانطلق من بخارى إلى جرجانية ثم إلى عاصمة سلالة خوارزميان ثم غورغان لأن حاكمها يشجع على العلم والتعلّم، وعندما وصل مملكة قابوس 1012م، كان حاكمها قد توفي، ومضت عشر سنوات من عمره في الترحال، ووصل إلى همدان وأصبح فيها وزيراً للأمير شمس الدين البويهي، وبعد موت الأمير حكم على ابن سينا بالسجن، لكنه استطاع الهرب إلى أصفهان التي توفي فيها في رمضان عام 1037م، بعدما أعتق عبيده، ووزع أمواله على الفقراء.

يعلّمنا «ابن سينا» أن استثمار الوقت والعلم والصحة والثقافة والفلسفة بأخلاقيات رفيعة في حياتنا القصيرة حالة من الإبداع التي تستمر في الذاكرة الإنسانية العالمية عبْر الأمكنة والأزمنة، رغم المرض والسجن والتسميم.

ترى، هل قرأت أحد كتب ابن سينا وماذا علمتك حياته الاجتماعية والعلمية؟ وهل اكتشفت أن الإنسان مجرد عابر سائح على هذه الأرض فلا يبقى منه إلاّ الأثر الطيب المفيد؟ وأن الوباء الحقيقي أن يكون الإنسان هو الوباء عندما يكون سعيداً بجهله وظلماته لا بعزلته الجميلة؟.

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي