شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

متعة النظر بقلق

2021-06-17

 لوحات جيرهارد ريشتر تشهد تهديما مستمرا للأشكال

فاروق يوسف*

لا أدري كيف يمكن أن يوصف الألماني جيرهارد ريشتر (1932) بأنه رسام؟ هو واحد من أهم ثلاثة رسامين أحياء هم الأكثر شهرة في العالم الآن. أنسليم كيفر وجورج بازاليتس وهو.

واقعيا فقد توقّف ريشتر منذ سنوات عن الرسم كما نعرفه. صار يستعمل أدوات غير تلك الأدوات التي يستعملها الرسامون في إنتاج لوحاتهم.

ريشتر يُبدع لوحات بمزاج حركي تتحكم به المسطرة التي تتعامل مع الأصباغ بروحية الارتجال المباشر. لوحاته كبيرة الحجم. يبني الرسام ليهدم ويهدم من أجل أن لا يسمح للفوضى في تفتيت ما يسعى إلى بنائه.

   

علينا ونحن نُسحر برسوم ريشتر أن ننزلق إلى عوالم هي أشبه بالاعترافات التي لا يمكن أن تتكرّر.

يلعب ريشتر مع الأصباغ ليعيد اكتشاف قدرتها على أن تكون مستقلة لا تعد بشيء سوى ذلك السحر الذي ينبعث من أعماقها، وهي تتقاطع وتتلاقى. سنكون محظوظين إذ نرى ما لم يره الرسام الذي لم يعدنا بالاختصار، وهو يهذي.

تجربة هذا الرسام هي نوع من التماهي مع الهذيان وفي الوقت نفسه تحدّيه. ريشتر ليس رساما تقليديا. لقد توقف منذ سنوات عن أن يكون كذلك. وهو في ذلك إنما يذكر بالأميركي جاكسون بولوك مع اختلاف في التقنية طبعا.

فريشتر يحتكم إلى العقل. يده تتخيّل وهي مصدر إلهامه ولا يقف الأمر عند هذا الحد. ذلك لأن عيني ريشتر تمارسان نوعا من الرقابة.

هل يحتاج الرسام إلى أن يترفّق به الحارس الذي يرافقه؟ علينا ونحن نُسحر برسوم ريشتر أن ننزلق إلى عوالم هي أشبه بالاعترافات التي لا يمكن أن تتكرّر.

تلك ضالة الرسام التي صارت رسومه تعدنا بالكثير من التأملات بعد أن قدّم تجربة فريدة من نوعها على مستوى المعالجة التقنية.

تخلى ريشتر عن صفات الرسام كما يعرفه الآخرون من أجل أن يخلص إلى ذاته القلقة والمستفهمة. لقد أُتيحت لي غير مرة فرصة الاقتراب من لوحات ريشتر فاكتشفت أنه لا يترك سنتمترا واحدا من غير أن يعبئه بقلقه ويملأه استفهاما.

لذلك تتجدّد رسومه كلما التقى المرء بها من جديد. فهي رسوم لم تُنتج لتُرى مرة واحدة.

 

  • كاتب عراقي






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي