شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

من اليسار إلى اليمين: عن العربية والفرنسية في الجزائر

2022-08-14

محمد علاوة حاجي

"ستّون شِعراً للوطن"... أعدتُ قراءة هذه العبارة مرّاتٍ عديدة، وأنا أتصفّح بياناً صحافياً وصل إلى بريدي الإلكتروني قبل أيام مِن "الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي"، المؤسّسةِ التي خرجت إلى النور في 2005 بأهداف كثيرة؛ مِن بينها "الترويجُ للثقافة الجزائرية في الخارج"، والتي نقرأ في تعريفٍ بها بأنّها "تعتمد على فريق شاب مُدرَّب في مجال الإدارة الثقافية في مدرسةٍ باريسية"، وبأنّها باتت اليوم "أوّلَ رائد أعمال ثقافي في الجزائر".

كان عليَّ ألّا أقف عند العبارة طويلاً، وأكتفي باعتبارها مُجرَّد خطأ لغوي وقع فيه الفريق الشابّ خلال الترجمة. فعلى الأرجح، صيغ البيان باللغة الفرنسية، ثُمّ نُقل إلى العربية. وهذا تقليدٌ سائد في المؤسَّسات الجزائرية يفرضه إلمام غالبية الموظّفين بالأُولى وعدم تمكُّنهم مِن الثانية. ولأنَّ الدستور يَعتبر العربية لغةَ البلاد الرسمية (إلى جانب الأمازيغية)، فإنَّ النصوص الرسميةَ المختلفة، بما فيها القوانين، تصدرُ بالعربية، لكنْ منقولةً غالباً مِن الفرنسية، وهذا ما يتسبّب في أخطاء كثيرة؛ كأن تدخل كلمةُ "شِعر" في الكلمات التي يُمكن عدُّها بالأرقام.

يبدو هذا الخطأ بسيطاً أمام أخطاء أُخرى تتسبّب فيها الترجمة. ولنضرِب، مثالاً عن ذلك، "بيانَ أوّل نوفمبر" الذي أعلن عن اندلاع الثورة التحريرية عام 1954، ويُعدّ الوثيقة المرجعية للدولة الجزائرية. فقد كُتب البيان باللغة الفرنسية، ثُمّ تُرجِم إلى العربية، لكنَّ عبارة "استرجاع السيادة الوطنية" الواردة في النصّ الأصل تحوَّلت في النصّ المترجَم إلى "إقامة الدولة الجزائرية ذات السيادة"، وهي ترجمةٌ تُغيّر المعنى بشكلٍ جذري؛ فبينما تدلُّ العبارة الأصلية إلى أنّ الدولة الجزائرية كانت قائمةً قبل عام 1962 (تاريخ الاستقلال)، تُفيد الترجمةُ عكس ذلك تماماً.

وهذه الملاحَظة لم ترِد من مُترجم أو باحث في قضايا اللغة؛ بل على لسان مُناضلٍ في الثورة الجزائرية، هو الراحل محمّد كشّود، والذي أشار أيضاً، خلال ندوة في "متحف المُجاهد" بالجزائر العاصمة عام 2016، إلى خطأ آخر يتعلّق بترتيب الألوان الثلاثة للعَلم الجزائري. وسنفهم من كشّود بأنّ لذلك علاقةٌ باللغة أيضاً، فالسببُ هو "أنّنا نُفكّر من اليسار إلى اليمين"؛ أي باللغة الفرنسية.

ومِن الطريف أنّ هذه العبارةَ سترِد، بعد سنواتٍ، بصيغةٍ أُخرى، على لسان وزيرةٍ للثقافة؛ هي وفاء شعلال التي قالت، في محاولةٍ لتبرير عدمُ تمكّنها من التحدُّث بعربية طليقة خلال لقاءٍ مع قناة تلفزيونية مصرية قبل أشهر: "نحن نُفكّر بالفرنسية ونُعبّر بالعربية"، فأثارَت انتقاداتٍ واسعة انتهت بإقالتها بعد أيام قليلة، وإنْ لم يكُن مؤكَّداً ما إذا كانت تلك العبارةُ هي سببُ إقالتها، أم تصريحاتٌ أُخرى، خلال اللقاء نفسه، وجّهَت فيها انتقادات لاذعةً للسياسة الثقافية الرسمية، وهي في معرض امتداحها. وتلك - من منظور السلطة - مِن الأخطاء الفادحة التي لا تُغتَفر.

أمّا خطأ "الوكالةَ" فقد جرى تصحيحه سريعاً؛ فأصبحت العبارة على النحو الآتي: "ستّون بيتاً للوطن"... وهذا شعار مسابقةٍ شعرية أطلقتها بمناسبة "الذكرى الستّين للاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي