شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

الحجر والبئر

2022-07-23

ممدوح عزام

يُمكن لمفردتي "الأمل" و"الخيبة" أن تكونا الكلمتين الأكثر ملاءمة لوصف حال المثقف العربي في القرن العشرين. إذ بينما كان المثقّف، يساراً ويميناً، وربّما يساراً أكثر من اليمين، مُحمّلاً بالأحلام والآمال العظيمة عن الزمن القادم، في النصف الأول من ذلك القرن، عمّت غمامةٌ من القنوط واليأس النصفَ الثاني والعقدين الأولين من قرننا.

واللافتُ أن الستينيات من القرن الماضي شهدت حدّي الموقف، إذ بينما أخذ كثيرٌ من المثقّفين يعتبرون أن أنظمة الحُكم العربية تسير في خُطى الاشتراكية، وخاصة في مصر التي كان يتردّد في كتابات العشرات من مفكريها الزعمُ بأن البلد يبني الاشتراكية، فإنّ آخرين، منهم ياسين الحافظ، نعَوا عالمنا الخاسر، وتحدّثوا عن الخيبة والهزيمة بوصفها هزيمةَ مجتمعٍ لا أنظمة حكم وحسب.

ويُحسَب للرواية العربية أنّها كانت النوع الكتابي الذي عبّر عن الخيبة - بل الخيبات التي راحت تتكرّر في العالم العربي، من قبل ذلك التاريخ، دون أن تتوقّف حتى اليوم - أكثر من تقديم صورة عن الأمل غير الحقيقي. ويمكن القول بكل يقين إن الإبداع العربي عموماً، سبق وتجاوز الفكر العربي في تلمُّس الخيبة والتعبير عنها، وهي تلك التي سمّاها محمد كامل الخطيب "انكسار الأحلام"، إذ تتبّع، في الكتاب الذي يحمل هذا الاسم، أشكال التعبير عن هذا الانكسار في الرواية العربية.

ولعلّ المقارنة بين الفكر والرواية هنا قد توجّه لبعض أركان الفكر العربي تهمة تجاهل الوقائع، التي كان يشير إليها الواقع، بهزائمه التي لا تعدّ، وتجميل الأنظمة المستبدّة، عبر ترويج شعاراتها، أو المصادقة على اعتبارها تمثيلاً للواقع.

ربّما كانت الاشتراكية نفسها سبباً، إذ كانت الفكرة تدغدغ مشاعر وعقول الملايين من العرب وغير العرب، وكان من الصعب معارضتها، أو عدم مناصرة فكرة البحث عن العدالة الاجتماعية التي كانت تنادي بها. ولهذا السبب لم يعترض أي مثقف على إجراءات التأميم التي سطا فيها العسكر على المصانع مثلاً، وهي التي ثبت فيما بعد أنها دمّرتِ الأمل ببناء صناعة عربية مستقلّة، أو إجراءات الإصلاح الزراعي التي أفضت لتدمير الزراعة. كان الحلم هو الأساس، بينما تجاهلوا الواقع الذي كان يقول بالصوت العالي إنّ قادة الدول التي سميت اشتراكية - وهُم النموذج -  قد انتهكوا الاشتراكية في الحلم وفي التطبيق، بقدر ما حطّموا الأمل لدى من اعتقدوا أن الإنسانية تسيرُ نحو تحقيق آمالها. لقد كانوا أسوأ مثال في التاريخ على إهدار الحلم.

 والطريف أن من بين المثقّفين العرب اليوم من يريد أن يمنع التعبير عن الخيبات وانكسار الأحلام. ولدى هؤلاء ذريعةٌ مريبةٌ تقول إنك يجب أن لا ترمي حجراً في بئر شربت منها. أين البئر وأين الماء؟

لم يكن المقصود الفكر، بل كان المقصود بالحماية من النقد الأحزابَ والأنظمة الحاكمة. كلا الجهتين لم تكن في أي يوم آباراً لمياه الشرب، بل مدافن للفكر الحرّ. يمثّل المجتمع الخائب صورةً أُخرى مستمدّة من المصدر نفسه، وهي صورةُ الماء الراكد، وقول الحقيقة هو الحجر الذي قد يحرّك هذا الركود.

روائي من سورية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي