شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

هالة كوثراني في "يوم الشمس": الانفصال صائغاً الرواية

2022-06-26

عباس بيضون

رواية هالة كوثراني "يوم الشمس" هي، بكلمة، قفزة في مسارها الروائي. نتابع هنا بناءً هادئاً وموزوناً ومحسوباً لرواية. صناعة هذه الرواية تقتضي من الروائية ما يشبه أن يكون كتابة ثانية، أي أنّ النموذج الروائي هو ما يستدعي إليه النصّ، وما يبدو أنه يحكم مضاعفاته ومداراته، بحيث إنّ القصد الروائي يكاد يتحوّل إلى نَفَس، وإلى صعيد منتظم، وإلى سوية كتابية، تنطوي تحتها، أو تتساوق، مفاصل التراجيدية والدراما شبه المضبوطة، وشبه الخافتة، وشبه المتّصلة في النصّ. أي أن هذا القصد هو إيقاع الرواية التي تتحوّل فيها التراجيديا، إلى نوع من سياق، إلى نوع من انتظام، وإلى ما يشبه الجوّ المنزلي، مع ما يضمره ذلك من داخلية واتصال متواترين. أي أن "يوم الشمس" (نوفل، 2022) هي بالدرجة الأولى هذا التحوّل لِما يضطرب، وما يتلاحق، وما يتهافت ويصطرع إلى نوع من زمن متثاقل، يكاد يكون هو زمن الأب الباقي في كرسيّه، بعد أن أدركه الزهايمر إلى أن يخطفه الموت. "يوم الشمس" يومٌ طويل وثقيل.

منذ أن نبدأ الرواية نجد أنفسنا أمام حدث روائي، نحسّ أن الرواية، على نحو ما، تصدر منه وتسترسل من جوِّه، وتكاد تضمره أو تسرّه في كلّ مقاطعه. إنه انفصال الأم عن البيت وخروجها منه لتتزوّج شخصاً آخر غير الأب. لن يُتاح لنا أن نتأمّل مضاعفات هذا الانفصال وذلك الخروج. لن نعود إلى ساعته الأولى ولا إلى تفاصيله. إنه شيء كالقدر، حدث تأسيسي كالسقوط من الجنّة. حدث وراء الأحداث، كأنه أبوها وأوّليتها البادئة. الأم تخرج من البيت وتترك وراءها أباً، حياته أقرب إلى الصفر، وعمّة باقية في حادثة الخروج تواصلها في البيت، حيث تعيش البنت أيضاً في لحظة الخروج، وكأنها هي الأخرى صدرت عنها.

سيكون انفصال الأم لحظة أسطورية. سيكون أسطورة العائلة، وسيحدث قبل كلّ شيء، وسيبقى، خاصّةً بعد أن يكتمل بقتل الأم، فقتل الأم هو عاقبة الانفصال، وإعادة ثانية له، وما يترك هذا الانفصال ليس سوى ظلّه المديد، ولا نخطئ إذا قلنا إنه يترك، خلفه وأمامه، فنّاً زاولته الأم، وانتقل منها بدون أن نعرف كيف ــ اللهم إلا عبر الأثر الجينولوجي ــ إلى البنت، هو الفنّ الحروفي، الذي هو ــ كحادثة الانفصال ــ يبدو جزءاً من الأسطورة. استطراد الرواية في شرحه، والكلام عنه، يعزّز ذلك. لا نقول إن الرواية تبدو تحت إلحاح هذين المصدرين، الانفصال والحروفية. هما متّصلان بدون أن نعرف كيف، إلّا أن يكونا معاً من ذات الأسطورة. يمكن أن نلاحظ بالطبع أوديبية العلاقة بالأم والأب، تلك الأوديبية التي تجعل من الفن الحروفي، أيضاً، أوديبية ثقافية. قد يكون قتل الأم وزهايمر الأب هما عاقبة ذلك، إنهما يبدوان جزءاً ختامياً من الأسطورة. يمكن أن نجد هنا مرجعاً فرويدياً، لكنّ رواية هالة كوثراني لا تبني فقط على أصل فرويدي.

الرواية في تجريبها لا تقف هنا، إنها تحاول أن تصنع جديداً في الرواية، هذا الجديد يخطر حين نصل إلى مقتل الأم، نحن هنا على أبواب رواية بوليسية. نفهم أن الأب وراء هذا المقتل، وأن نديم، صديق رؤية، هو الفاعل، بدفع من مالك الذي أحب البنت من دون أن يعلن ذلك، وبدون أن تبادله هي الحب. هنا تغامر كوثراني في الرواية إلى حدّ استحضار الرواية البوليسية. هذا الطموح الروائي ليس وحيداً. حين نقرأ الصفحات المطوّلة التي تتناول الفن الحروفي، والتي أردفتها بشكل حروفي في مطلع كلّ فصل من الرواية، حين نقرأ هذه الصفحات نقع على تحليل طويل للفن الحروفي، ورأيٍ نقدي فيه يقدّم الشكل على المعنى. عند ذاك ننتبه إلى ما في الفن الحروفي من أبوية تاريخية تعيدنا إلى أوديبية رمزية. ليس هذا فحسب، لكنّ في الكلام المطوّل عن الحروفية استقصاء ثقافياً وتاريخياً، وما يشبه الأرشيف، أي إننا هنا في محاولة جادة لبناء روائي على الثقافة والأرشيف. هذا ليس جديداً على الرواية العالمية، لكنّه، إلى حدٍّ ما، جديد على الرواية العربية.

شاعر وروائي من لبنان







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي