شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

"مسرح الشمس".. طريق إلى المستقبل

2020-10-22

مسرح يستفيد من كل الحضارات

عواد علي*

لم تنل مخرجة مسرحية شهرة عالمية واسعة بقدر ما نالتها المخرجة الطليعية أريان منوشكين، الفرنسية الروسية الأصل، التي ارتبطت باسمها فرقة “مسرح الشمس” في فرنسا منذ تأسيسها في باريس عام 1964. وقد أثرت منوشكين في الكثير من المسرحيين العرب، وما زال تأثيرها في أعمالهم ورؤاهم إلى اليوم كما تثبته العديد من الدراسات.

عشقت أريان منوشكين فن المسرح وهي طالبة جامعية، وقررت أن تهبه حياتها، وهذا ما دفعها إلى تأسيس فرقة “مسرح الشمس”، مع جماعة من أصدقائها في جامعة السوربون، والتي لا تزال إلى اليوم تقدّم عروضا استثنائية معتمدة على نصوص كتّاب كبار من بينهم شكسبير وأسخيلوس ويوربيديس وموليير وهيلين كيسكوز.

 يشير اسم الفرقة إلى معنى مجازي هو أن المسرح ينير الطريق للعاملين فيه وللجمهور نحو مستقبل أفضل، لذا فإنها، أي منوشكين، تعتمد كل ما يدعو إلى الحرية ويثير إلهامها.

وقد أكدت ذلك في رسالتها التي كتبتها في يوم المسرح العالمي لعام 2005 “المسرح يحررني، وإذا كنت نائمة يوقظني وإذا تهت في الظلام يقودني إلى شمعة، وإذا كسلت يحركني، وإذا كنت خائفة يشجعني، وإذا كنت جاهلة يعلمني، وإذا كنت متوحشة يجعلني إنسانة، وإذا كنت شريرة يعاقبني، وإذا حاولت الهيمنة والقسوة يحاربني، وإذا صرت سوقية يهذبني، وإذا لذت بالصمت يحرك لساني، وإذا توقفت عن الحلم يسميني حمقاء، وإذا ما نسيت شيئا يذكرني به، وإذا شعرت بالشيخوخة يعيدني طفلة، وإذا كنت حزينة يفرحني، وإذا عميت يوقد أمامي كلّ الأضواء.. هذا هو المسرح الحقيقيّ”.

منوشكين والعرب

أريان منوشكين تخلق بيئة خاصة في كل عمل مسرحي تنتجه معوّلة على الممثلين وتنوع تجاربهم وثقافاتهم

كانت الانعطافة الكبيرة في تجربتها وتوجهها قد حدثت بعد أن تدربت في معهد “جاك ليكوك” الذي يقوم منهجه على أساس الواقعية الجسدية وشعرية الحركة.

كان أول إنتاج لفرقتها نص “المطبخ”، للإنجليزي أرنولد ويسكر، الذي أظهرت فيه نزعتها اليسارية باتجاه مسرح شعبي، بينما كشفت في إنتاجات لاحقة، وعن قصد، عملية التمثيل وآلية المسرح كما لو كانت نقطة انطلاق سياسية حول ظروف العمل.

ومنذ عام 1971 صارت تعمل خارج باريس لتخلق بيئة خاصة بكل إنتاج مسرحي تنتجه، وتحقيق جماليات جسدية وبصرية تنتقد من خلالها الكولونيالية والإمبريالية، وتنفتح على التقاليد الفنية في العالم، ومنها التقاليد المسرحية في الصين واليابان والهند، بمساعدة ممثليها الذين يمدّون الفرقة بتجاربهم وخبراتهم عبر ثقافاتهم المتعددة بتعدد مناطق العالم التي ينتمون إليها.

تعرّف المسرحيون العرب إلى “مسرح الشمس”، وتجارب منوشكين من خلال الترجمة، واطلاع المقيمين منهم في فرنسا على بعض تلك التجارب، أو مشاركة قسم منهم فيها، أو من سنحت لهم الفرصة أن يتدربوا في إحدى ورشاتها المسرحية.

ولعلّ أكثرهم اهتماما بها هو المخرج والكاتب المسرحي والمترجم العراقي الدكتور محمد سيف، الذي يتابع المسرح الفرنسي عن كثب منذ أن حطّ رحاله في باريس للدراسة قبل ثلاثة عقود ونصف العقد، وها هو يتوّج اهتمامه بتأليف كتاب عنوانه “مسرح الشمس: محطات ومسارات أريان منوشكين”، وقد صدر حديثا عن مركز إنانا للدراسات والأبحاث والترجمة في دار الفنون والآداب بالبصرة.

وهو ثاني كتاب باللغة العربية عن “مسرح الشمس” بعد كتاب “عشق المسرح” للباحث المغربي عبدالواحد بن ياسر، أستاذ المسرح والأنثروبولجيا والنقد الحديث، والذي صدر عن الهيئة العربية للمسرح في الشارقة عام 2013، وركز فيه على تجربة مسرحية “ريتشارد الثاني” للفرقة، من بين مجموعة من المواضيع المختلفة حول أنطونين أرتو، وبريشت، وتجربة يوسف شاهين في إخراجه لمسرحية كاليغولا، التي قدمها على مسرح الكوميدي فرنسيز، وبيتر فايس، والثقافة والمأساة لدى رولان بارت.

يقول سيف في مقدمة الكتاب “كان ولا يزال الذهاب إلى مسرح الشمس، بالنسبة إلي، يمثل أولا وقبل كل شيء، نوعا من الإثارة الفرجوية التي غالبا ما كنت أنتظرها بفارغ الصبر. ربما لأن هذا المكان وسيدته العظيمة، جعلاني نوعا ما أدخل الأراضي الفرنسية.. (منوشكين والمخرج الفرنسي الكبير أنتوان فيتيز الذي كان على رأس فرقة مسرح شايو، عندما أرسلا لي، حينما كنت في العراق، دعوة للالتحاق بمسرحيهما)”.

ويضيف “للأسف، عندما دخلت فرنسا، لم ألبّ دعوتيهما الكريمتين، ربما لأني لم أكن أجيد اللغة الفرنسية آنذاك، وهذا خطأ فادح ارتكبته في حياتي من بين أخطاء أخرى، ذلك أنني كنت أعتقد أن اللغة عنصر مهم وأساسي في المسرح، ولكن على عكس كل توقعاتي، ومع مرور الزمن ومعرفتي المتأخرة بطريقة عمل منوشكين، وكذلك أنتوان فيتيز واستثمار هذا الأخير للممثلين الأجانب في تفجير اللغة الفرنسية وجمالها من خلال لكنتهم، اكتشفت أن الأمر ليس كذلك تماما، وثانيا، ربما لأنني كنت خجولا بما يكفي مثل أغلب الممثلين، وخائفا من ارتكاب حماقات أدائية في لغة أجنبية لازلت في وقتها أتلعثم عند نطقها. ولكن عندما شاهدت عروض انتوان فيتيز وأريان منوشكين في ما بعد، اكتشفت أن هناك مشاعر مسرحية قوية تنبعث في داخلي”.

مسارات مسرحية

متابعة للمسرح الفرنسي عن كثب

لا يدعي المؤلف بأن هذا الكتاب يلم بكل تجربة أريان منوشكين في مسرح الشمس، بقدر ما يحاول أن يلقي الضوء على بعض مساراتها، محطاتها، توجهاتها، التزاماتها السياسية والإنسانية، وطريقة عملها في تحضير العمل والتفكير فيه، قبل وبعد أي عرض مسرحي، ومدى تمسكها بتقاليد المسرح الآسيوي والهندي، اللذين أصبحا بالنسبة لها نموذجا في جميع تجاربها المسرحية تقريبا.

ينقسم الكتاب إلى قسمين، يحتوي الأول على دراسة حول المسرح الآسيوي والهندي، ومدى تأثيرهما على المسرح الغربي بشكل عام، وعلى أعمال منوشكين بشكل خاص، إضافة إلى بعض المقالات التي نشرها سيف حول عروضها خلال فترات متفرقة، والتي خضعت في الكتاب إلى تحديث، ومراجعة، أو إعادة كتابة.

أما القسم الثاني، فهو ترجمة لمقابلات مختلفة مع أريان منوشكين، أجراها معها كتّاب ونقّاد مسرحيون غربيون، وقد ضمّن سيف هذه المقابلات مقدمات وإضاءات، شرح فيها بعض المفاهيم، والأحداث التي تتحدث عنها منوشكين من خلال إجاباتها، والتي غالبا ما تكون مقتضبة، ولا يعرف القارئ العربي مرجعياتها بالضرورة.

تجدر الإشارة إلى أن المخرج المسرحي اللبناني روجيه عساف تأثر بأسلوب أريان منوشكين في العديد من تجاربه التي قدمها في محترف بيروت للمسرح، الذي أسسه مع المخرجة والممثلة نضال الأشقر عام 1968، وخاصة بالعمل الجماعي في إنتاج تلك التجارب وصياغتها، بدءا من الكتابة الجماعية للنصوص، التي تنطلق من البروفة كمادة أساسية أو أرضية لتشكيلها، حيث يحضرها أيضا مؤلف، يراقب التراكم اليومي للتمارين الارتجالية، ثم يصوغ الشكل النهائي للنص.

 

  • كاتب عراقي

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي