شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

بيروت وفلسطين وموسيقى الثلاثي جبران.. نصوص درويش في ذكرى رحيله الـ12

2020-08-10

ذكرى رحيل درويش الثانية عشرة

هذا البحر لي

هذا الهواء الرطب لي

واسمي -وإن أخطأتُ لفظ اسمي على التابوت- لي

 

أما أنا -وقد امتلأتُ بكل أسباب الغياب- فلستُ لي

أنا لست لي

أنا لست لي …

هكذا رثى الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش نفسه في نهاية "الجدارية" الشهيرة، قبل أن يرحل في 9 أغسطس/آب 2008 بالولايات المتحدة، ويترك صدى أشعاره باقيا يتغنى به أبناء اللغة العربية والقضية الفلسطينية ومحبوها.

ويأتي أدب درويش في سياق مشروع شعري يدور حول الهوية والمنفى والاغتراب، ويتناول الذكريات والشتات والعودة ويفيض برموز وخيال ومشاعر الإنسان العربي في نهاية القرن العشرين، وتزامنت ذكرى رحيله الـ12 مع انفجار مرفأ بيروت المدينة التي عاش فيها وأحبها وكتب فيها وعنها الشعر.

وفي ذكرى رحيله قدمت فرقة العود الفلسطينية "الثلاثي جبران" قصيدة درويش "خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة" مع موسيقى خاصة، وكانت الفرقة التي تنحدر من مدينة الناصرة قد رافقت درويش في العقد الأخير من عمره وعزفت الموسيقى في خلفية إلقائه الشعري.

بيروت

افتتح الشاعر الفلسطيني محمود درويش قصيدته الشهيرة "في مديح الظل العالي" برثاء بيروت التي احتضنت درويش في فترات مهمة من حياته، قبل أن يغادرها متجنبا حربا أهلية شرسة واجتياحا إسرائيليا لها.

وقال درويش في قصيدته:

"بحرٌ لأيلولَ الجديدِ. خريفُنا يدنو من الأبوابِ…

بحرٌ للنشيدِ المرِّ. هيَّأنا لبيروتَ القصيدةَ كُلَّها

 بحرٌ لمنتصفِ النهارِ

 بحرٌ لراياتِ الحَمامِ، لظلِّنا، لسلاحنا الفرديِّ

 

بحرٌ للزمانِ المستعارِ

 

ليديك، كمْ من موجةٍ سرقتْ يديك

 من الإشارةِ وانتظاري

 

ضَعْ شكلنا للبحرِ. ضَعْ كيسَ العواصفِ عند أول صخرةٍ

 

واحملْ فراغَكَ… وانكساري

 

…واستطاعَ القلبُ أن يرمي لنافذةٍ تحيَّتهُ الأخيرةَ،

 

واستطاع القلبُ أن يعوي، وأن يَعِدَ البراري

 

بالبكاء الحُرِّ…

 

وفي قصيدته "بيروت" يقول درويش:

 

خلسةً: نُنشدُ

 

بيروتُ خيمتُنا

 

بيروتُ نَجْمتُنا

 

ونافذةٌ تطلٌّ على رصاص البحرِ

 

يسرقنا جميعا شارعٌ ومُوَشَّحٌ

 

بيروتُ شكل الظلِّ

 

أجملُ من قصيدتها وأسهلُ من كلام الناس

 

تُغرينا بألف بدايةٍ مفتوحة وبأبجدياتٍ جديدة:

 

بيروتُ خيمتُنا الوحيدة

 

بيروتُ نجمتُنا الوحيدة

 

هل تمدَّدنا على صفصافها لنقيس أجسادا محاها البحر عن أجسادنا جئنا إلى بيروت من أسمائنا الأولى

 

نفتِّشُ عن نهايات الجنوب وعن وعاء القلبِ…

 

سال القلبُ سال…

 

وهل تمدَّدنا على الأَطلال كي نَزِنَ الشِّمال بقامة الأغلال؟

 

مال الظلِّ مال.. مال عليَّ ، كسَّرني وبعثرني

 

وطال الظلُّ طال….

 

ليَسْرُوَ الشجرُ الذي يسرو ليحملنا من الأعناق

 

عنقودًا من القتلى بلا سببِ…

 

وجئنا من بلادٍ لا بلاد لها

 

وجئنا من يد الفصحى ومن تَعبِ….

 

خرابٌ هذه الأرض التي تمتدُّ من قصر الأمير إلى زنازيننا

 

ومن أحلامنا الأولى إلى … حطبِ

 

فأعطينا جدارًا واحدًا لنصيح يا بيروتُ

 

أعطينا جدارًا كي نرى أفقًا ونافذةً من اللهبِ

 

وأعطينا جدارًا كي نُعلِّق فوقه سدُومَ

 

التي انقسمت إلى عشرين مملكةً

 

تبيع النفط …. والعرب

 

وأعطينا جدارًا واحدًا

 

لنصيح في شبه الجزيرةْ

 

بيروت خيمتُنا الأخيرةْ

 

بيروت نجمتُنا الأخيرةْ

فلسطين

لم تحمل القصائد وطنا وأرضا كما حملت فلسطين، كانت القضية عنوانا رئيسيا للمدونة الشعرية الفلسطينية والعربية في العقود الماضية، وكما جعل الشعر فلسطين بوصلته، رفعت فلسطين أيضا شعراءها إلى ذرى عالية من الإبداع والشهرة والمجد، ومن أهمهم محمود درويش.

وفي قصيدته "عاشق من فلسطين" يقول درويش:

عيونِك شوكةٌ في القلبِ

توجعني… وأعبدُها

وأحميها من الريحِ

وأُغمدها وراء الليل والأوجاع… أُغمدها

فيشعل جُرحُها ضوءَ المصابيحِ

ويجعل حاضري غدُها

أعزَّ عليَّ من روحي

وأنسى، بعد حينٍ، في لقاء العين بالعينِ

بأنّا مرة كنّا، وراءَ الباب، اثنين!

 

كلامُكِ… كان أغنيهْ

وكنت أُحاول الإنشاد

ولكنَّ الشقاء أحاط بالشفة الربيعيَّة

كلامك، كالسنونو، طار من بيتي

فهاجر باب منزلنا، وعتبتنا الخريفيَّه

وراءك، حيث شاء الشوقُ….

وانكسرت مرايانا

فصار الحزن ألفينِ

ولملمنا شظايا الصوت…

لم نتقن سوى مرثيَّة الوطنِ!

سنزرعها معا في صدر جيتارِ

وفوق سطوح نكبتنا، سنعرفها

لأقمارٍ مشوَّهةٍ…وأحجارِ

ولكنّي نسيتُ… نسيتُ… يا مجهولةَ الصوتِ:

رحيلك أصدأ الجيتار… أم صمتي؟!

رأيتُك أمسِ في الميناءْ

مسافرة بلا أهل… بلا زادِ

ركضتُ إليكِ كالأيتامُ،

أسأل حكمة الأجداد:

لماذا تُسحبُ البيَّارة الخضراءْ

إلى سجن، إلى منفى، إلى ميناءْ

وتبقى، رغم رحلتها

ورغم روائح الأملاح والأشواق،

تبقى دائماً خضراء؟

وأكتب في مفكرتي:

أُحبُّ البرتقال وأكرهُ الميناء

وأَردف في مفكرتي:

على الميناء

وقفتُ. وكانت الدنيا عيونَ شتاءْ

وقشر البرتقال لنا. وخلفي كانت الصحراء!

رأيتُكِ في جبال الشوك

راعيةً بلا أغنام

مطارَدةً، وفي الأطلال…

وكنت حديقتي، وأنا غريب الدّار

أدقُّ الباب يا قلبي

على قلبي…

يقرم الباب والشبّاك والإسمنت والأحجار!

 

رأيتكِ في خوابي الماء والقمحِ

محطَّمةً. رأيتك في مقاهي الليل خادمةً

رأيتك في شعاع الدمع والجرحِ.

وأنتِ الرئة الأخرى بصدري…

أنتِ أنتِ الصوتُ في شفتي….

وأنتِ الماء، أنتِ النار!

 

رأيتكِ عند باب الكهف… عند النار

مُعَلَّقَةً على حبل الغسيل ثيابَ أيتامك

رأيتك في المواقد… في الشوارع…

في الزرائب… في دمِ الشمسِ

رأيتك في أغاني اليُتم والبؤسِ!

رأيتك ملء ملح البحر والرملِ

وكنتِ جميلة كالأرض… كالأطفال… كالفلِّ

وأُقسم:

من رموش العين سوف أُخيط منديلا

وأنقش فوقه شعرا لعينيكِ

واسما حين أسقيه فؤادا ذاب ترتيلا…

يمدُّ عرائش الأيكِ…

سأكتب جملة أغلى من الشُهَدَاء والقُبَلِ:

"فلسطينيةً كانتِ. ولم تزلِ"

فتحتُ الباب والشباك في ليل الأعاصيرِ

على قمرٍ تصلَّب في ليالينا

وقلتُ لليلتي: دوري!

وراء الليل والسورِ

فلي وعد مع الكلمات والنورِ

وأنتِ حديقتي العذراءُ….

ما دامت أغانينا

سيوفاً حين نشرعها

وأنتِ وفيَّة كالقمح…

ما دامت أغانينا

سماداً حين نزرعها

وأنت كنخلة في البال،

ما انكسرتْ لعاصفةٍ وحطّابِ

وما جزَّت ضفائرَها

وحوشُ البيد والغابِ….

ولكني أنا المنفيُّ خلف السور والبابِ

خُذينيَ تحت عينيكِ

خذيني، أينما كنتِ

خذيني، كيفما كنتِ

أردِّ إليَّ لون الوجه والبدنِ

وضوء القلب والعينِ

وملح الخبز واللحنِ

وطعم الأرض والوطنِ!

خُذيني تحت عينيكِ

خذيني لوحة زيتيَّةً في كوخ حسراتِ

خذيني آيةً من سفر مأساتي

خذيني لعبة… حجرا من البيت

ليذكر جيلُنا الآتي

مساربه إلى البيتِ!

 

فلسطينيةَ العينين والوشمِ

فلسطينية الاسم

فلسطينية الأحلام والهمِّ

فلسطينية المنديل والقدمَين والجسمِ

فلسطينية الكلمات والصمتِ

فلسطينية الصوتِ

فلسطينية الميلاد والموتِ

حملتُك في دفاتريَ القديمةِ

نار أشعاري

حملتُك زادَ أسفاري

وباسمك، صحتُ في الوديانْ:

خيولُ الروم!… أعرفها

وإن يتبدَّل الميدان!

خُذُوا حَذَرا

من البرق الذي صكَّته أُغنيتي على الصوَّانْ

أنا زينُ الشباب، وفارس الفرسانْ

أنا. ومحطِّم الأوثانْ.

حدود الشام أزرعها

قصائد تطلق العقبان!

وباسمك، صحت بالأعداءْ:

كلي لحمي إذا نمت يا ديدانْ

فبيض النمل لا يلد النسورَ

وبيضةُ الأفعى..

يخبئ قشرُها ثعبانْ!

خيول الروم… أعرفها

وأعرف قبلها أني

أنا زينُ الشباب، وفارس الفرسان!

وفي قصيدته "يوميات جرح فلسطيني" التي وجهها إلى الشاعرة والأديبة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان، يقول درويش:

نحن في حلِّ من التذكار

فالكرمل فينا

وعلى أهدابنا عشب الجليلِ

لا تقولي: ليتنا نركض كالنهر إليها،

لا تقولي!

نحن في لحم بلادي..وَهْيَ فينا!

لم نكن قبلَ حزيرانَ كأفراخ الحمام

ولذا، لم يتفتَّتْ حبنا بين السلاسلْ

نحن يا أُختاه، من عشرين عام

نحن لا نكتب أشعارا،

ولكنا نقاتل







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي