القصص تتكاثر بالتلقيح

2025-02-13 | منذ 3 ساعة


عبير خديجة*
 

في تموز/يوليو الماضي، هرعتْ امرأةٌ، وعلامات الرعب على وجهها، بسرعةِ قطةٍ دِيسَ على ذيلها، إلى الطريق، وتبعها، بعد دقيقتين، رجلٌ شبهُ عارٍ من الأسفل، يقفز كالكنغر، وصراخُه المجنون يسبقه. أمسك الرجل بالمرأة، ولم يترك عضواً في جسدهِ دون أن يُشارك في حفلة ضرب المرأة، ولولا لُطف الله وقفزةِ نهديها الوحشيين من قميص النِّوم لما أخذ الرجُل نفساً ليتوقف برهة ناظِراً كمفترس مُتفرِّس فيهما. وعندما التفتَ، وجد الناسَ الذينَ اجتمعوا أمماً ليحولوا دون حدوث هذه الحادثة، خُرساً يتأملون نهدينِ وحشيين. أخرجَ الجميعَ من الحالة تعليقٌ أزعر من شخصٍ له مكانته: القصة كبيرة!
فتشجع آخرٌ، وقال بمكر: إي شووو هَالقصة، يا رجل!
لملمَ الرجل نفسه وامرأته وعاد إلى البيت. وعادَ الناس إلى بيوتهم، دون أن يدري أحدهم ما القصة. وصارَ الرجل على مدى أسبوعٍ كامل قصة الحَيْ. وامرأةٌ بنهدينِ وحشيين قصةٌ لا تُنسى.
أحدُ أبواب بيوت هذه الضيعة يبقى مفتوحاً دائماً، دون أن يعلم أحدٌ لماذا، وهذا كانَ يُخيف الجميع، لأنه ما من أحدٍ مرَّ بالبيتِ يوماً ورأى فيه أحدا. قصصٌ كثيرة نُسِجت عن هذا البيت الفَخ. في آب/أغسطس الماضي، أغلِقَ الباب للمرة الأولى ولم يُفتح، والنَّاس ليسوا حمقى كي يناموا. ظلوا متربصين كالقطط يراقبون الظلال المتحركة خلف الستائر المُسدَلة والأنوار التي تُطفأ وتُشعَلْ بالتناوب. في الصباح خرجت من البيت امرأةٌ تندَّت، وبدأ هذا الحَدث يتكرر حتّى غدا قصةً كبيرةً، والمرأةُ قصةً أكبر. يعود أبو رَملة إلى بيته متأخراً كل ليلة، بعد أن يكون قد اجتمعَ بكثيرٍ من الرِّجال والنساء المثقفين والفنانين والفنانات، وبذلَ كل عرقه ليغدق على الآخرين بكل معرفة يعرفها، بدءاً من الديالكتيك حتى معرفة لماذا تَموء القِطط، ومتى. وكانَ ذلكَ يُسعِد النساء، ويسعدهنَ أكثر أنه عازِف ممتاز، ولا علاقة لذلك بالموسيقى.
هذا الرَّجُل الأبهة الذي يَخرُجُ بكامل أناقتهِ للناس، كُلما عادَ إلى البيت تعمل له زوجته قِصَّة. ونوم الجيران يُمزَّقه صُراخ أبي رَملة بعبارته الشهيرة: ع كل شغلة بدك تعمليلي قصة! «دقّي واعصري!» عبارةٌ كانت تُترجمها حالُ عبد اللطيف، وعبد ربه في العَمل، الذي يرد على رئيس عملهِ الذي يصرّ على التقليل من شأنهِ، بجملة اعتراضية هجومية: شو قصتك معي؟ وفعلاً، لا يعرِف أحد في العَمل ما هي قصة عبد اللطيف الذي تقول له سكرتيرته، التي تُشبه الأرماديلو، دائماً: حليان اليوم شو القصة؟
من كُل تلكَ القصص التي لا يعرفُ أحدٌ ما قِصتها كانت تتوالد القصص، وتتكاثر، وتُنتَج قصصا جديدة، وكل قصة تُفرِّخ قصة، حتى حين لا تكون هناك قِصة. حتّى إنَّ الناس المَلولين ينهون أكبر مشكلاتهم بعبارة: ليسَت قصة.
يُحاوِل النَّاس دائماً معرفة ما القصة، مع أنَّ القصة واضحة. تفوّق الإنسان وبانت عبقريته في معظم علوم الدنيا، إلَّا في هذهِ القصة، حيث عدمُ وجودِ قصة قِصةٌ مُرعبة.


*قاصة من سوريا








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي