
مارا أحمد
استمرت الحوارات بينهما عدة أشهر.. يغيب على فترات ثم يعود.. وكل عودة ببداية جديدة كأنه شخص آخر.. احتارت في أمره.. كيف يعود بكل هذا الشغف، وعلى لسانه نفس الحوار.. الذي ينتهي بنفس الجملة.. سأشتاق إليك.. لا تغيبي.. ويتوارى خلف ستائر الستان زرقاء اللون..
ثم عود جديد بقلب جديد وموعد جديد.. تقلب في ألبوم صوره.. تقف طويلا امام تلك الصورة.. واضعا النظارات السوداء تنزل قليلا على انفه ونظرات من عينيه تدعوها ان تقترب..
ظلت أمامها وعلى رأسها الطير.. وكأن في نظراته تعويذة سلبت ارادتها.. إلا من استغراقها في حكاية اثنين عاشقين كانت تشاهدهما وهي في حالة سكر صوفية..
غاب هذه المرة طويلا.. اخذها الحنين ان تتحسس عنه خبرا.. وصلت لصفحات ابنائه..
دخلت على صفحة ابنه الذي تخرج حديثا من كلية الطب.. توقفت امام قصة نشرها تحت صورة ابيه..
وهكذا علمت مدى قسوة ذلك السهم الذي غرسه الزهايمر في عقل ذلك الأديب اللامع.. الذي لم يمتلك إلا مكتبة انتظمت في رأسه..
لتضيع مع ضياع ذاكرته التي تعود على فترات متباعدة..
اغلقت عيناها للحظة.. خرجت من صفحته وعادت الى الرسائل. تنتظر..
حديث مع عينيه
كنت أختلس النظرات إلى الأبوة والشموخ في عينيه وكلماته.. وإشارات يديه التي ترسم سماء زرقاء لا يشوبها ذلك الغمام الرمادي الذي أفسد لوحة السلام.. وعيناه تلتقط سرقتي لملامحه.. فيبتسم..
سنوات طالت وبعدت بي؛ شغلتني عن زيارة داخلي والتحاور مع نفسي.. “يا نفس وما تشتهي” جملة يمانية تعلمتها.. توجهها لنفسك قبل بدأ شهر رمضان.. وتلبي لها رغباتها.. سألته لنفسي.. فكانت التلبية “حضوره”، حنين لصوته الذي يقيم حوائط من الأمان فيصير بيتا..
ظل يتحدث وانا أنصت، يلوك رحلاته ويهدهد بحكاياته قلبي، وأذكر انا عصيان الزمان..
أسترق أحضان له من الحلم ليعري عيناي ويفضح بتأمله لي ما بيني وبيني من حديث وكأنه سمع وانصت..فيرتفع الادرينالين في جسدي وتتخلل خدودي حمرة البرد والخجل..
اسحب اخر صورة له وأغادر..