شعرقص.حواركتاب الأمةأدب عالمينقدفكراصدارات جديدةاخبار ثقافيةتراثفضاءات

تواريخ

2022-10-02

سومر شحادة

1-بتاريخ 19 أيلول/ سبتمبر 2022، سقط شاب من باب النقل الداخلي في دمشق، ثمّ مات تحت عجلات الحافلة في الطريق إلى جامعته، فيما أُوْقِف السائق.

2-بتاريخ 20 أيلول/ سبتمبر 2022، سقط أربعة أشخاص في حفرة صرف صحّي بريف دمشق، مات ثلاثة منهم في الطريق إلى منازلهم ليلاً، وجرى إسعاف الأخير.

3-بتاريخ 21 أيلول/ سبتمبر، ورد اتصال إلى إذاعة محلّية من أحد الآباء للشكوى بسبب موت ابنه الشاب من جرّاء خطأ طبّي، في اللاذقية. وبتاريخ 13 من الشهر نفسه مات شاب آخر بسبب خطأ طبّي في دمشق. هذا حدث متكرّر. لكنّ الآباء لا يصالحون على موت أبنائهم.

4-بتاريخ 22 أيلول/ سبتمبر 2022، غرق مركب لبناني قبالة طرطوس، وقد استمرّ انتشال الجثث (السورية والفلسطينية واللبنانية) من البحر الأبيض المتوسّط ليومين. وبتاريخ 24 أيلول/ أيلول 2022، وبعد بلوغ الحصيلة 86 جثة و20 ناجياً، نُفي احتمال وجود ناجين آخرين. لكن لم تتوقّف الجثث عن العودة إلى الشاطئ بمفردها لأيام أعقبت الحادثة.

5-سُجّلت أرقام متزايدة لوفيات الوباء على امتداد أيام الموت العادية من شهر أيلول/ سبتمبر 2022، وقد وصل عدد الإصابات إلى العشرات في مختلف المدن السورية. لكن مهلاً، ليس المقصود وباء كورونا الذي ينتمي إلى القرن الواحد والعشرين، وإنّما الكوليرا الذي يعود إلى القرن التاسع عشر.

■ ■ ■

يمكن لأيّ من هذه العبارات التي تقتصر على أيام قليلة متتالية وعشوائية، أن تكون مدخلاً لنصٍّ روائي استقصائي عن حياة تلك الشخصيات التي انتهت بصورة عبثية. كذلك يمكن لأيّ منها أن تكون إعلاناً لعجز المخيّلة عن مجاراة الواقع أو اللحاق به. نحن نستسلم. الكتابة متأخّرة، والرواة يلملمون شيئاً من اللحظات الأخيرة التي عرفها القتلى تحت القصف وفي السجون، أمام البحر وأمام السكّين وأمام عين القنّاص، في الغابات، وفي الطريق إلى المنفى. الواقع رواية استنزفت أبطالها. الكتابة متأخّرة. ونحن نستسلم.

■ ■ ■

الكتابة نزيفٌ دائم، لا مجرّد تواريخ. إنّها سِياق وسَيل واسْتدامة. كما أنّ الرواية لا تحتاجُ موضوعاً بعينهِ، فأيّ حدثٍ يمكن أن يكون موضوعاً لها. وإنّما هي تبحثُ عن كاتب ترمي عليهِ موضوعها، بما فيهِ من زمانٍ، وهذا زمان القتل. ومكانٍ، وهذا مكان القتل. وشخصيات، وهؤلاء هم المقتولون. أمّا موضوع الرواية الأثير فهو الحرب، وليس المتحاربين. والمنفى بذاتهِ هو عُقدَةُ النّص، لا خروج النّاس، لأنّ من يَبقي منفيّ، ومن يَخرج منفيّ. من يَدخل البحرَ منفيّ، ومَن يدخل الغابة منفيّ. ومَن يصلُ أخيراً، يعرف أنّ وطنه برمّتهِ صار وطناً منفيّاً.

■ ■ ■

ليس لقتيلٍ أن يُجاري مُخيّلة قاتل. أيّاً كان المَقتول وأيّاً كان القاتل؛ فالحدث هُوَ الجريمة. ومنذ البدء وقعت الجريمة بعد اجتناب الربّ النظر إلى عمل قابيل، ثمّ بعد أن قتل أخاه، سأله عن أخيه واستمع إليهِ. إذن، الجريمة هي التي أوجدت القاتل حتّى في نظر الربّ، وهي بذلك أحد أعمال الإنسان التي اعترف بها خالقُه. ومن ثمّ صارت علامةً على الإنسان؛ هارباً في أرضٍ يَصرخُ دمُ أخيهِ فيها. وبالنسبة إلى المقتولين، كانت اللغة ميراثهم للّحاق بالقتلة.

في البدء كانت الجريمة التي صنعها القاتل وصنع فراره اللانهائي، ثمّ جاءت اللغة لتَسْتَصْرِخَ العدالة، وتطلب القصاص إلى نهاية الأرض. القاتلُ مَلعونٌ لدى الربّ، وكَفى، ومُلاحَق بصوتِ القتيل، وهذا حَسْبُه. أمّا في نظره نفسه فهو مَن خَلق الحكاية كلّها، وليس من دليل على ندمه، بعد أن أنجب هؤلاء القتلة جميعهم.

روائي من سورية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي