
حسن قجّة مع انقضاء الأيام بعد الكارثة، يجافينا الكلام وتعجز التعابير، فقد تشقّقت الروح وانهدَّ الوجدان، بمقياس اثني عشر عاماً من البأس واليأس. كنا نتّكئ على ثباتكِ يا أرضَ بلادنا، ونستمدُّ صبرَنا الطويل من انغراس جذورنا في أعماقكِ الراسخة الأصيلة. أفما كنتِ ترأفينَ بحالنا، بعدما أمطرتْنا السماءُ
مريم الشكيلية * إنني في منتصف شباط الشتوي أحاول أن أخرج قلمي إلى سطح ورق... أحاول أن أنقذ حرفاً من تحت أنقاض الحطام.... إنني أتمسك بحزمة من الأبجدية لتعينني على الوقوف بعد ذاك التعثر الضبابي وتلك الهزات الإرتدادية التي تناثرت على إثرها تلك الصلابة التي أوهمتك بها.... أحاول أن أمسك بضوء حر
أنس أبو سمحان الساعة تتجاوز الثامنة بقليل، وأنا أقف في ظلّ شجرة سروٍ متّكئة على بناية متهالكة تبدو كأنها مبنيّة منذ العصر الفيكتوري. كانت الأمطار تنزل بغزارة، وصوت الغربان على الشجرة يزيد من هزيز الرياح رُعبًا. أخرجت سيجارة ولثمتُها فمي ثم أشعلتها وبدأت أسحب النيكوتين إلى جهازي التنفّسي. بدأ يعود
حازم العظمة ما إنْ تذكر واحداً حتّى تتذكّر مُجاوره الذي يتّصل به من نفقٍ عادةً ما يكون في شبكة من الطوابقِ تختلفُ إنارتها الداخلية. كلّ الأحلام تبدو جديدةً، بمعنى لم تكن يوماً مأهولةً لكنّها مهدومة جزئياً، تشغلها أنقاض، أنقاض جديدة بيضاء عموماً، ذلك النوع من الأنقاض بين الغرف، الذي يبقى في الغرف
حسن أكرم كلّكم تعرفون مَن هو ربيع جابر، أليس كذلك؟ وما لا تعرفونه أنه أنا في المستقبل. اكتشفت ذلك مؤخّراً، بل الآن، وأنا على السرير، كتبتُ أبحث عن ربيع في محرّك البحث، ووجدتُ له صورة واحدة يبدو فيها كأنه سالينجر، ومقطع فيديو قصيراً، يقرأ فيه ممتعضاً سطوراً من روايته... وبعد؟ ومقالاتٍ وقصصاً عن هر
نجود أبو شهلاء لا أذكر من كان صاحب الفكرة بتعليمه كتابة اسمه، أظنها أمي، وربما تولت هذه المهمة الحماسية قبل ولادتنا، لتوفر عليه إحراج القول «لا أجيد الكتابة»، وتجنيبه عناء استخدام البصمة للتوقيع مع ما يرافقها من إجراءات كطلب شهود وما إلى ذلك. مع كامل اليقين أن شيئا كهذا أبعد ما يمكن ع
سلطنة عُمان - مريم الشكيلية ليس حقل مكتظاً بالأعشاب، والحشائش اليابسة عندما يهطل السيل، ويغرق الجذور الممتدة إلى حدود عواطفنا. هل تتخيل ذاك الشعور الذي يعتريني كلما انسكب البرد على سواحل خدي، ويتمدد الحنين فارداً ذراعيه نحوي؟ وكلما بزغ خيط من خيوط الشمس هارباً من ركام الغيوم الرمادية المتراكمة
عمر زكريا الحنفية تقطرُ ماءً... سأسمّيها حنفية وليس صنبورًا؛ استذكارًا للتسمية التي جاءت من إقرار الحنفية بجواز استخدام هذا الاختراع. أمّا مَن حرّموها، فلم يكن ما فعلوه إلّا لعطفٍ منهم على السقّائين الذين بدأوا يخسرون رزقهم، من وراء تلك الحنفية. لو رجحتْ كفّة السقّائين يومها، لَما كنتُ أُعاني ا
حسن أكرم فكّرتُ لسنوات طويلة أن أُخفي عن الناس قصَّتي، أن أحرص على نفي نفسي بعيداً عن أنظار الناس وذاكرتهم. لكن حينما اقترب موتي، وشعرت أن حياتي كلّها ليس لها معنى، وأني لو تحدَّثتُ أو صمتُّ، فالأمر سيّان، قلتُ لأسلّي نفسي، وأنا أراقب الوقت البطيء الذي يمرّ في هذا المشفى الكئيب. لو أن لكلماتي قي
حسن داوود الأستاذ عبد القادر لم يكن يعلَّم، هو فقط المدير، لكن كان يخطر له أن يدخل إلى صفّ من الصفوف ليرعب التلاميذ أحيانا، وأحيانا أخرى ليمتحن معرفتهم باللغة الفرنسية. «قوم إنت طلاع عاللوح» يقول للتلميذ الذي اختاره عشوائيا. « أكتب فيس، يعني ابن بالعربي»، فيكتب التلميذ الك
نازك بدير عندما تشعر بأنك فقدت جميع الأوتار التي تربط بين عظامك وعضلاتك، وقد تقطعت عروقك، كل جزء فيك بات مبتورا عن الآخر … أنت لا تشبه نفسك، جسدك خريطة فيدرالية، كانتونات هنا، ومخيمات هناك، ومطارات أمنية في مناطق متنازع عليها. في زحمة ذلك كله، يحدث أن تفقد القدرة على الحركة، وبعد تمزق أوتا
سومر شحادة كُنّا نائمين، نومَ الكائنات التي نومُها موت مؤقّت، وهذا تعبيرٌ أوشكَ أن يصير حقيقة أبديّة كالموت؛ ونحن نهتز في الأسرّة، ونصحو جزعين، نراقب انهيارَ السقف والجدران علينا. لكن لم يسكنّا الموت السوري حدّاً كان يمكن أن يدفعنا إلى البقاء في السرير في انتظار الموت. لا نزال أحياء، ولا يزال جسد
قاسم حداد قال له: يا طويل القامة والإقامة. كيف ترى المكان؟ قال: أراه كفنا يُمنح، مثل الهِبة، لميتٍ غافلٍ، ينجو منه عميق الأنفاس واسع الصدر، ويتعفّن فيه الممتثل لجثته الذهبية. قال له: لماذا إذن لا تغادر المكان؟ قال: لست من هنا. لا أرى في المكان سوى بيت صغير يطل على زرقة الكون.. إنني أنتمي للوقت أ
أنس الأسعد "على أن قُربَ الدار"... كذا صارت تحكمُ المسافاتُ حيواتنا نحن السوريين، نقيس الألم بمقدار القُرب والتنائي، مع أنّ الأمر لم يكن بحاجة لكارثة طبيعية أخيرة تؤكّد، أو نثبت من خلالها، مدى تعلّقنا بتلك الدار ومَن فيها، بعد سنوات خارجها كادت تُصبح دهراً لا نهاية له. ولا كنّا بانتظار برهان يأتي
حمزة كوتي رأى أنّ الماضي نيزكٌ 1 من التكوين إلى الرؤيا يحمل الكاهنُ الزهورَ وأسماءَ أولئك الذين اتّفقوا على حقيقةٍ أسطوريةٍ في منشورٍ مُغلق. 2 الإنسان والزوال. الفرجار والخريطة. قياس المسافات. ثني العالم بشكل قوس على خصر امرأة هي زهرة وردية اللون. 3 أخذ يبدي اهتمامًا بالمذياع وحديقة العنب و
ليلى باحساين في العائلة، نَنحَدِر جميعًا من امرأة واحِدة: عبّوش. تلتقي كلُّ فروع شجرة عائلتي عندها، ويَسوقني إلى مَعينها عِرقان. عبّوش! هي أمّ جدّتَيَّ الاثنتَين. إنها جدّة والِدَيَّ الاِثنين. تبقى ذكراها فيَّ شذوراً وضَبابًا ككلّ شيء يتعلّق بطفولتي. لا أعلم ما الحيلة التي لجأَت إليها ذاكرتي ل
باسل عبد العال يدورُ هذا السؤال الكبير دورتهُ في أعماق الكتّاب والشعراء والمؤلفين العرب بشكلٍ خاص والعالميين بشكلٍ عام، هو السؤال الجوهر في مشروع الثقافة الكبير في رأيي، وهو السؤال الذي يتشكل كتشكيل شبكة عنكبوتية للأفكار التي تدور حوله وفيه، لمن نكتب؟ وهو سؤال البدء في الكتابة، الهاجس الأول الذي
غدير أبو سنينة وهو يحاول حلّ رباط حذائه الشتويّ القصير، فكّر بالعقد الكثيرة التي لا تتناسب مع حجمه. كان عائداً للبيت بعد حديث سلس مع رئيسه في العمل ومكالمة حميمية من صديقته وتحيّة ودّية من جاره. يضطر لعبور منتصف الصالة للوصول للأريكة وخلع الحذاء. حذاء ثقيل تمتدّ عُقَده من منتصف الأصابع حتى ما فوق