أوتار مهشمة على حافة الجسر

2023-02-14

نازك بدير

عندما تشعر بأنك فقدت جميع الأوتار التي تربط بين عظامك وعضلاتك، وقد تقطعت عروقك، كل جزء فيك بات مبتورا عن الآخر … أنت لا تشبه نفسك، جسدك خريطة فيدرالية، كانتونات هنا، ومخيمات هناك، ومطارات أمنية في مناطق متنازع عليها. في زحمة ذلك كله، يحدث أن تفقد القدرة على الحركة، وبعد تمزق أوتارك، تنسلخ عن مكان تعيش فيه، وتتنفس منه، تماما نظير غصن قصمته الريح فتيبس؛ نصفه على الشجرة والنصف الآخر يتدحرج على الطرقات، كلما هبت عاصفة، قذقته إلى جدار،فينكسر طرفه وتتنازعه الأنواء متخبطا كرجل مُسِن عبثت به الأقدار. غصن بُح صوته بعد أن سُحِب من رحم أمه، ظل جزؤه الآخر معلقا هناك، روحه تائهة كتلك الأوراق الصغيرة التي تناثرت، والتحفبلحاء شجرة يابسة تحاكي أحلاما هرمت قبل أوانها .

أن تعيد رسم خطواتك على إيقاع خيبات العالم من حولك، وترتب جدول ضحكاتك على مواقيت مآسيك وانهزاماتك،وتتقن كتابة الانتصارات وأنت تدفن أشلاء ضحاياك، وتعلن مواعيد خساراتك أهازيج تعلق لها أقراط امرأة غجرية تضيف إليها أصباغا كرنفالية، وكلما كبرت الخسارة، شعت الأقراط فتنة. خلف القناع تتساوى الهزائم، ولا يبقى سوى صدى ضحكة المهرج.

وأنت في عمق الارتطام، يتراءى لك سيل العابرين في حياتك، حيث لا تزال تقبع جنينا، الظلمة نفسها، السكون نفسه. هنا، قد تكون أمامك فرصة للتأمل أكثر من تسعة أشهر، وستنشق مرحلة أخرى لا ريب قد نحتاج إلى ثلاثين سنة جديدة لنعقل أن الجسر الذي وجدنا أنفسنا عليه لم يكن يوما فوق بحر ولا نهر، ولم يصل بين ضفتين؛ هو ركام جثث دهسها الجشع، وبُنيت من فوقها العروش. على حافة الجسر، يعلق التعساء أمنياتهم، ويُحكمون شد الأقفال بالجماجم النائحات تحت أرجل أبنائها، فاغرة الأفواه، ولا صوت.

المشهد في قعر الجسر يشبه تماما قشرته العلوية، القوارب في الأسفل طبقاتها المتعددة محشوة بجوارب أطفال كانت مخبأة في حقائب سفر، حملتها أمهات في رحلتهن الأخيرة، ويرتطم القارب بعمود الجماجم، فيقتلع قاعدته، ولا يبقى سوى جورب قطني أبيض تشده بقايا أوتار بعيدا من الجسر.

كاتبة لبنانية








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي