فجر التاريخ الأمريكي المجرمون السّاعون لتحقيق العدالة!

2025-02-13 | منذ 3 ساعة

معبد واشنطن العاصمة (الذي كان يُعرف في الأصل باسم معبد واشنطن، حتى عام 1999) (ويكيبيديا)إبراهيم نصر الله

يبدو مسلسل «فجر التاريخ الأمريكي، American Primeval» كما تمّت ترجمة عنوانه على منصة نتفلكس، واحداً من الأعمال النادرة التي تنتجها، إذ نادراً ما تُقدِّم شيئاً يستحق، لكن الأمر لا يخلو من وجود ثلاثة أو أربعة أعمال كل عام، من إنتاجها، تستحق المشاهدة.
هذا المسلسل بحلقاته الست نموذج لأعمالها الأكثر أهمية وعمقاً، كتبه مارك إل سميث، الذي سبق أن كتب الفيلم الكبير «العائد، The Revenant» الذي فاز بثلاث جوائز أوسكار عام 2016، من بينها اثنتان لمخرجه وبطله، والذي سيبقى دائماً واحداً من أهم الأفلام على مستوى طرحه وتتبّعه لفكرة العنف الأمريكي المفرط تجاه الطبيعة.
لم يكتب إل سميث بعد «العائد» شيئاً كبيراً يستحق، بل بدا في الأفلام الخمسة التي كتبها أو شارك في كتابتها، بعد «العائد»، مؤلفاً عادياً، أما الأفلام التي سبقته فتبدو أضعف، بحيث يستغرب المرء قدرته على كتابة «العائد» الذي بدأ أنه طفرة لن تتكرر، إلى أن عاد بهذا المسلسل وبهذا المستوى الذي جسده مخرجان رائعان وممثلون أدّوا أدوراهم بإتقان كبير، وبتصوير استطاع أن يجسد الأجواء الوحشية للمكان، في حلقات غنية ممتلئة دائماً، لا فراغ فيها، بعيداً عن منطق كثير من المسلسلات التي تلجأ إلى الحشو.
أما ما يُلفت الانتباه بقوه فهو المستوى العالي للأداء، والصورة التي ظهر فيها الممثلون في المسلسل؛ إذ لم يكونوا مجرد ممثلين وسيمين أو غير ذلك، بل كانوا شخصيات، ويكفي أن نرى صورهم الحقيقية لنعرف أي عمل رائع ذلك الذي قاموا به، إنهم لا يشبهون حقيقة صورهم أبداً، وهذا أمر مدهش حقاً.
هذه مقدمة للقول إن هذا المسلسل يقول إن تاريخ العنف الأمريكي لم يتوقف، فكيم كوتس الذي يؤدي دور زعيم كنيسة طائفة المورمون، وهي حركة مسيحية متصهينة، نموذج مُجسَّد اليوم، وأمس، في شخصيات كثير من الرؤساء الأمريكيين، ولعل ترامب هو النموذج الأعلى لصورة زعيم الكنيسة في المسلسل، في رعونته وجنونه واتخاذه لأكثر القرارات جنوناً، عبر إيمانه بضرورة المحو بالحرق والقتل والاستيلاء.
طائفة المورمون طائفة ذات جذور عميقة في المجتمع الأمريكي منذ القرن التاسع عشر، وقد «بدأ المورمون بالتبشير خارج الولايات المتحدة قبل نحو 4 عقود، مستغلين مواردهم الهائلة، حيث تشير تقديرات إلى أن «كنيسة يسوع المسيح لقديسي اليوم الأخير» تمتلك ميزانية تصل إلى ما بين 40 و50 مليار دولار سنوياً. كما أن لدى المورمون اليوم أكثر من 20 ألف كنيسة في مختلف أنحاء العالم، و160 مجموعة تبشيرية في 165 دولة، ولديهم 25 مركزاً لإعداد المبشرين، و17 محطة إذاعية، والعديد من الصحف، و3 محطات تلفزيونية، و3 جامعات، والمئات من مواقع الإنترنت بمختلف اللغات من بينها العربية»، حسب موقع الجزيرة.
هذا الصعود الرهيب لهذه الطائفة التي تشكل أقل من 2% من عدد الأمريكيين، توازى وتقاطع مع فكرتهم عن أنفسهم بأنهم «المختارون» وفكرتهم عن أمريكا بأنها أرض الميعاد، وذلك الحق الذي منحوه لأنفسهم بإبادة الآخرين وتدمير كل ما يملكونه.
ببساطة، وبقليل من التعديلات، يمكن القول إن مسلسل فجر التاريخ الأمريكي يذكِّرك طوال الوقت أنه «فجر التاريخ الصهيوني» في فلسطين، فالعقلية نفسها، والإبادات نفسها، ومحو السكان الأصليين نفسه، وعدم وجود أي عائق للإمعان في القتل هو نفسه، ووضع أنفسهم فوق البشر هو نفسه، وفي الحقيقة لا تغيب عن الذهن صورة ترامب كلما ظهر قائد المومورن أو «نبيهم»، كما لا تغيب صورة نتنياهو أبداً، أما جيشهم فهو الجيش نفسه الذي يقتل بلا رحمة ويبيد كل شيء لأنه لا يريد شهوداً، وحين تظهر شاهدة يطاردونها إلى النهاية حتى يتمكنوا من قتلها.
لكن حبكة المسلسل، التي بقدر ما تبدو تراجيدية وسوداء بقدر ما تبدو ساخرة حقاً، لأن بطلة المسلسل المتهمة بالقتل، التي يطاردها صائدو الجوائز ويطاردُون طفلها الذي يعاني من عطب في إحدى ساقيه بعد أن تم وضع مكافأة للقبض عليها، (يتبين لنا أنها قتلت دفاعاً عن النفس)، هذه المرأة مُطارَدَة من قبل مجموعة من أكثر المجرمين دموية، ممن لا يترددون في قتل أي شخص، رجلاً كان أو امرأة طوال المسلسل، بدم بارد، بل بارد جداً، ويشنقون البشر بيسر كما لو أنهم يعلّقون قميصاً على حبل غسيل، هؤلاء المجرمون هم الذين يطاردونها، ويطاردون ذلك الرجل الذي يحميها، الرجل الذي نشأ بين السكان الأصلين، في قبيلة شوشون، وفقد ابنه وزوجته.
المجرمون في الفيلم هم الذين يسعون لتحقيق العدالة، وهي مفارقة كبيرة، لم تزل مستمرة حتى اليوم، وتتسّع أكثير فأكثر وتمتد جذورها لكل مكان وصلت إليه القوات الأمريكية، أو قاذفاتها وحاملات طائراتها، وإلى كل مكان وصل إليه الجيش الصهيوني العنصري وطائراته المقاتلة، وقوة ترهيبه.
وبعـــد:
تفتقد قضيتنا الفلسطينية هذا المستوى من الأعمال الدرامية، سواء بسبب الجدار العالي الذي تضعه المنصات الكبرى في وجه إنجازات، عنها، عالية المستوى كهذه، أم بما تضعه الفضائيات العربية من جدران أعلى، وتزداد علواً يوماً بعد يوم، إذ لا توجد واحدة منها تملك الجرأة لتقول للفلسطيني: ليكن لدمك وحكايتك المكان اللائق على شاشتنا، أو نصف المكان اللائق، أو ربع المكان اللائق، فمورمون الأنظمة الناطقون بالعربية أصبحوا أكثر بكثير من الهمِّ على القلب والروح والتاريخ والإنسانية.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي