نتنياهو في "لقاء الثلاثاء" مع ترامب.. بين "لغز مستعص" وتطبيع "شبه ناضج"

الامة برس-متابعات:
2025-01-31

إسرائيل وحماس تدخلان إلى مفاوضات فيما يبدو هدف كل من الطرفين يتعارض مع الآخر (ا ف ب)سيقلع نتنياهو الأحد القادم في طائرة جناح صهيون إلى واشنطن للقاء تقرر له الثلاثاء مع الرئيس ترامب. سيسجل نتنياهو إنجازاً سياسياً حتى قبل أن يدخل إلى الغرفة البيضاوية: فهو سيكون الزعيم الأجنبي الأول الذي يدعى إلى البيت الأبيض في ولاية ترامب الثانية. إنجاز وإن كان فنياً جداً، لكن مع الأخذ بالحسبان رواسب الماضي على خلفية حدث التهنئة التي أرسلت من مكتب رئيس الوزراء للرئيس المنتخب بايدن في العام 2020، هذا أيضاً ليس مفهوما من تلقاء ذاته.

كان نتنياهو ورجال مكتبه سيكتفون قبل 7 أكتوبر، بإنجاز “المستوى الآخر”، ولكن ليس اليوم. فاليوم بات نتنياهو بحاجة إلى كثير من الاستعراض المغطى إعلامياً بالمحبة والود. رئيس وزراء إسرائيل، الذي يطير إلى لقاء مع الرئيس الأمريكي فيما يجري فريقه مفاوضات للمرحلة الثانية من اتفاق وقف النار – ملزم بجلب إنجازات جوهرية ومصيرية. أعد قائمة طويلة من المواضيع استعداداً للقاء، ولا بد أننا سنتطرق إليها. لكن أولاً وقبل كل شيء ستكون مهمة نتنياهو مثلما في فيلم التوتر الهوليوودي – جلب حل للغز الذي يبدو في هذه اللحظة عديم الحل.

إسرائيل وحماس تدخلان إلى مفاوضات فيما يبدو هدف كل من الطرفين يتعارض مع الآخر. إسرائيل مستعدة لإنهاء الحرب في غزة شرط أن تنهي حماس وجودها كمنظمة مسلحة ذات سيطرة مدنية، وسياسية وعسكرية. حماس تتطلع إلى الوضع المعاكس: إسرائيل تنهي وجودها في غزة، وتبقى هي الحاكمة عسكرياً وسياسياً ومدنياً. الرئيس الأمريكي من جهته يطلق أقوالاً توفر أملاً لكل من الطرفين. هو يريد رؤية نهاية للحرب في غزة – وفي الوقت نفسه لا يريد أن يرى حماس في غزة.

هدف نتنياهو هو إقناع ترامب بأن هذين العنصرين لا يسيران معاً. بمعنى، إنهاء سريع للحرب، لكن مع بقاء حماس تحكم وتتعاظم؛ أو إبعاد حماس وفقاً لإرادة ترامب، لكن حتى يحصل هذا، فالمطلوب أحد أمرين: حل سحري أو استئناف الحرب. وليس مجرد “استئناف”. إذا كان لا بد من العودة إلى القتال، فتريد إسرائيل هذه المرة أن تفعل بشكل مختلف. بدون الأساليب العابثة التي فرضتها إدارة بايدن على الجيش الإسرائيلي: يد يمنى تضرب العدو، ويد يسرى تطعمه بالمساعدات الإنسانية. نتنياهو يؤمن بالقتال القوي دون ذكر طريقة الاجتياحات التي أفلست ودون الأحياء الإجباري للعدو. للدقة، نتنياهو يؤمن بأن التهديد المصداق بقتال قوي قادر على أن يكون بالنسبة له حلا ًسحرياً يلتقي بمطلبي ترامب: إنهاء الحرب في غزة، وإنهاء حكم حماس.

الأيادي أيادي حماس

في هذا الشأن، الجناح الصقري في الحكومة الذي تقلص إلى شريك فاعل واحد – “الصهيونية الدينية” برئاسة الوزير سموتريتش ربما يكون هادئاً. نتنياهو لم يكذب على سموتريتش حين وعده بالعودة إلى الحرب بغياب تحقيق أهدافها بطريقة أخرى. وهو حقاً يرى في هذا خياراً ويعتزم قوله لترامب. يؤمن بإمكانية بناء السيناريو الثالث: ليس استسلاماً لحماس كثمن إعادة كل المخطوفين، وليس تنازلاً عن جزء كبير من عودة المخطوفين كثمن العودة إلى الحرب.

نتنياهو يؤمن بأنه إذا ما نجح في إقناع الرئيس الأمريكي، بأن هذا أحد اثنين، ويتأكد من عدم محاولة ترامب فرض “سلام بأي ثمن” على إسرائيل، فإنه فهم سيقنع مسؤولي حماس غزة بأن وضعهم ضائع. سيكون شرط إسرائيل نزع سلاح حماس ونفي زعمائها، وتجريد غزة، وإقامة حكومة انتقالية بهذه التركيبة أو تلك. نتنياهو غير مسعد للموافقة على أقل من هذا، بما في ذلك الخيار القديم لـ “حكومة تكنوقراط” ظاهرية، فيما يكون الصوت صوت التكنوقراطيين، والأيادي أيادي حماس.

“حلوى اسمها السعودية”

بم يفكر الرئيس ترامب؟ ليس واضحاً بعد. إسرائيل تتلقى رسائل وتلميحات وأقوالاً، وتحاول ركوب لوحة فسيفساء واحدة من كل هذه. مثلاً، على خلفية أقوال ترامب الأخيرة عن فكرة نقل غزيين مؤقت إلى دولة أخرى ما، فإن الرسالة الأمريكية التي تلقتها “القدس” تتحدث عن فكرة ملموسة تقف من خلف الأقوال باهظة الثمن. يتبين أن رجال ترامب نقلوا الآن مقترح الصفقة لإحدى دول المنطقة: دعم أمريكي اقتصادي مقابل موافقة تلك الدولة على الاستيعاب مؤقتاً! لمئات آلاف الغزيين. ليس واضحاً بعد ما إذا كانت الدولة موضع الحديث أعطت موافقتها بخلاف الأردن ومصر ودول أخرى فزعت ورفضت. لكن الفكرة شجعت ومنحت “القدس” تفاؤلاً.

إلى جانب التفاؤل الحذر، تفضل إسرائيل الإبقاء على النهج الواقعي. وحتى لو نجحت المفاوضات للمرحلة الثانية التي ستبدأ الأسبوع القادم، في التقدم دون أن تتفجر، فإن حملة الضغط على حماس ستستغرق زمناً أطول من عدد الأيام التي خصصها الاتفاق للمفاوضات بين الطرفين.

ستحاول إسرائيل تمديد الوقت قدر الإمكان. إذا أعربت حماس عن اهتمامها بمواصلة المفاوضات فسيكون ممكناً محاولة هندسة نوع من الاتفاق داخل الاتفاق: استمرار تحرير المخطوفين مقابل المزيد من أيام المفاوضات. كلما أمكن إخراج مخطوف إثر آخر على الأقل من الجحيم الغزي، فيمكن للمفاوضات من الناحية الإسرائيلية، أن تستمر دون قيد زمني. ثمة شكوك حول هذا السيناريو؛ فمنذ بداية المرحلة الأولى للصفقة، المرحلة التي اتفق ووقع عليها، حاولت منظمة الإرهاب خرق وشد الحدود قدر الإمكان.

وعليه، تؤمن إسرائيل بالعقل السليم لمسؤولي حماس على نحو قليل، وتؤمن أكثر بالضغط الذي تمارسه قطر ومصر على قادة منظمة الإرهاب. “هذا يحصل بفضل أثر ترامب تماماً”، يقول مصدر مطلع على ما يجري، ويتابع: “الضغط الذي مارسه ترامب على قطر هو بمئة ضعف مقارنة بما حاولت إدارة بايدن أن تعرضه كضغط على الوسطاء”.

وماذا عن الورقة المظفرة؟ الجائزة الكبرى التي كنا على مسافة خطوة عنها في حينه: اتفاق التطبيع مع السعودية؟ ليس صدفة أن مبعوث ومقرب ترامب، ستيف ويتكوف، بدأ زيارته الإقليمية للرياض. مسؤولون كبار في إسرائيل يدعون بأن الاتفاق شبه ناضج – إن لم يكن نضج تماماً. وإن ما ينقص لتنفيذ التفاهمات الهادئة من ناحية السعوديين هو إنهاء الحرب في غزة. فهل يمكن تحليل خطوة التطبيع قبل ذاك النصر المطلق الذي يظهر في أهداف الحرب؟ يحاول نتنياهو الحصول على جواب الثلاثاء المقبل.

آنا برسكي

معاريف 31/1/2025








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي