أي الخيارين ستفضله مصر والأردن.. "سيفعلون" أم "الضياع"؟  

الامة برس-متابعات:
2025-02-11 | منذ 4 ساعة

 

الملك الأردني عبدالله الثاني (ا ف ب)في كل ما يتعلق بإيجاد حل للحرب في غزة، يبدو ترامب كالنبع المتدفق. إذا كان تحدث في اللقاءات الأولى مع نتنياهو عن إخراج 1.8 مليون شخص من سكان غزة إلى خارج القطاع، بالأساس إلى الأردن والسعودية، “لفترة قصيرة أو طويلة”، فقد تضخمت هذه الخطة خلال بضع ساعات وأصبحت سيطرة أمريكية على قطاع غزة وتوزيع سكانه في دولتين أو أربع أو ست دول.

مثل كرة الثلج التي لا يمكن وقفها، كانت غزة أمس (حسب ترامب) عقاراً أمريكياً “سيكون من ممتلكاته في هذه الأثناء”، ويمكن بيعه للمستثمرين. بالأساس، سكان غزة الذين سيخرجون لن يتمكنوا من العودة، لأنه “سيكون لهم سكن أفضل. أنا أتحدث عن بناء مكان دائم لهم”.

لم يظهر ترامب حتى الآن أي إشارة على الاستماع إلى صرخات الذهول التي سمعت من مصر والأردن والسعودية. هو لا يستجيب الآن للتحذير من تطور مناطق مواجهة على طول الحدود بين إسرائيل ومصر إذا تم توطينها بسكان غزة، الذين كان كثير منهم وما زالوا من نشطاء حماس، ولا يستجيب أيضاً لتحذير من هزة قد تدمر النظام الأردني إذا وافق على استيعاب بضع مئات آلاف اللاجئين. ولا يلاحظ حتى الهزة التي قد تتعرض لها اتفاقات السلام التاريخية التي وقعت عليها مصر والأردن، وشكلت الأساس لـ “اتفاقات إبراهيم”، التي وقعت مع عدد من الدول العربية قبل ست سنوات تقريباً. كل هذه الأمور حتى الآن تمر حوله.

اليوم ربما يلتقي ترامب مع الملك عبد الله، وسيسمع منه عن خوفه من تجسيد ما يعتبره ترامب “مشروع عقارات”، وما يعتبره الأردن تهديداً وجودياً. مشكوك فيه أن الوعد الأمريكي بزيادة المساعدات سيهدئ خوف الملك. وابل من أمطار الدولارات وعد بها كجزء من حملة تسويق “صفقة القرن”. من المثير للدهشة أن الملك في حينه فضل البقاء على قيد الحياة على حلم الثروة.

يبدو أن خطة ترامب وبحق تؤكد الرؤية التي تفيد بأن الحرب في غزة ولبنان ستغير وجه الشرق الأوسط، فقط باتجاه معاكس للاتجاه الذي أمل به المحتفلون. مزيد من المواجهات، عدد أقل من المخطوفين، وتهديد اتفاقات السلام، هذا هو اتجاه خطة ترامب بالترانسفير.

يقف نتنياهو على رأس قسم التسويق للرئيس الأمريكي ترامب، فهو لا يتوقف عن الثناء ومباركة أصالة وجرأة وحكمة الخطة، ورجاحة العقل الذي وضعها. خلال مسيرته، نجح بالفعل في إثارة غضب السعودية، الدولة التي لا تتمتع بالدعابة ولم تتأثر بملاحظة نتنياهو بقيام دولة فلسطين تقام في السعودية. في هذه الحالة، أراد نتنياهو تصحيح مجري المقابلة معه من القناة 14، الذي سأل “كيف يمكن جسر الفجوة بين أقوال ترامب بأن السعودية لا تطالب بإقامة الدولة الفلسطينية، وبين النفي السعودي الذي جاء فيه بأنه لن يحدث أي تقدم بدون دولة سعودية”؛ بدون “دولة فلسطينية”، كما صحح نتنياهو مجري المقابلة، “إلا إذا كنت تريد أن تكون دولة فلسطين في السعودية. فلديهم الكثير من الأراضي”.

نتنياهو كالعادة، لم يرد على جوهر السؤال. أعصاب الزعماء المتوترة لا تسمح لهم بالاستمتاع بنكتة إسرائيلية على حسابهم. ولكن عندما يتهم نتنياهو مصر بشكل مباشر بأنها المسؤولة عن الحصار الذي فرض على قطاع غزة، وأنها هي التي منعت سكان القطاع من “الخروج إلى الحرية”، من “السجن المفتوح” في غزة، فهذا لا يعتبر نكتة، بل مس مباشر موجه بشكل جيد إلى النقطة الحساسة لدى عبد الفتاح السيسي. لم يتأخر رد وزارة الخارجية الغاضب في مصر. “تصريحات نتنياهو بشأن الجهود التي تبذلها مصر في غزة مضللة بشكل متعمد مرفوضة كلياً”، كتب. “هي تهدف إلى حرف الانتباه عن خروقات إسرائيل الفظة ضد الفلسطينيين، من بينها تدمير البنى التحتية الحيوية واستخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين”.

تبادل الاتهامات هذا بين مصر وإسرائيل حول المسؤولية عن الحالة الإنسانية الصعبة في غزة غير جديد. ففي أيار الماضي، بعد سيطرة إسرائيل على معبر رفح، رفضت مصر فتحه وتشغيله بدون وجود فلسطيني في الطرف الغزي للمعبر. وتم الرد على موقف القاهرة هذا بتوبيخ شديد ممن كان في حينه وزيراً لخارجية إسرائيل، يسرائيل كاتس، الذي تم صبه الآن في قالب تشكل على شاكلة وزير الدفاع. “العالم يحمل مسؤولية الوضع الإنساني في غزة لإسرائيل. ولكن مفتاح منع الأزمة الإنسانية في غزة هو الآن في يد الأصدقاء المصريين”، قال كاتس.

هذه الأقوال أيضاً لم تسكت عنها القيادة في مصر. فوزير الخارجية سامح شكري، أدان محاولة إسرائيل تحميل المسؤولية عن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة غير المسبوقة لمصر، التي هي نتيجة مباشرة لهجمات إسرائيل”. مصطلح “الأصدقاء” الذي استخدمه كاتس، اختفى منذ ذلك الحين، ويبدو أنه ستمر فترة طويلة إلى أن يُستخدم بدون سخرية لوصف العلاقات بين الدولتين.

حسب خيال زعماء إسرائيل الخصب، فقد توقعوا أن تتعاون مصر معهم، وأن يديروا حصار القطاع معاً وبسرور، مثلما حدث ذات يوم. ولكن مر عقد تقريباً منذ قامت مصر بالتنسيق مع إسرائيل بشأن تشغيل المعبر، إغلاقه وفتحه. تلك كانت فترة مدهشة، حاربت فيها إسرائيل ومصر الإرهاب الإسلامي في شبه جزيرة سيناء وحماس.

تم خرق اتفاق كامب ديفيد، بصورة تسمح لمصر بنشر قوات كبيرة في شبه جزيرة سيناء، بما في ذلك قوات مدرعة وسلاح جو، في مناطق كان يجب أن تكون منزوعة السلاح حسب اتفاق السلام. مصر في المقابل، دمرت أنفاقاً لحماس في حينه، وأقامت جداراً أمنياً، وأنشأت منطقة عازلة بعرض 3 كم بين القطاع وسيناء. وخلال ذلك، هجّرت آلاف المصريين من بيوتهم، ونقلت مكان سكنهم إلى العريش ومحيطها. استمر التعاون المثمر أيضاً بعد عملية “الجرف الصامد” وعملية “حارس الأسوار”، حيث سمحت إسرائيل لقطر، في إطار اتفاق وقف إطلاق النار، بتحويل المزيد من ملايين الدولارات لحماس، في حين تعهدت مصر بتنفيذ مشروع الإعمار.

الآن نفس المنطقة في شبه جزيرة سيناء، التي تم طرد المواطنين المصريين منها كجزء من الجهود المشتركة بين مصر وإسرائيل من أجل وقف انتشار الإرهاب، يمكن أن تمتلئ بمئات آلاف الغزيين الذين سيقيمون فيها جبهة المواجهة الجديدة ضد إسرائيل وضد النظام والجيش في مصر. والنتيجة أن الدولتين ستقفان على جانبي المتراس، حيث إن إسرائيل في هذه المرة، وفي إطار خطة ترامب العقارية، هي التي تعتبر تهديداً استراتيجياً لمصر، التي تبين لها فجأة أن اتفاق كامب ديفيد أصبح أداة ضغط وتهديداً لاستقرارها.

عندما يشرح ترامب للعالم بأن مصر والأردن ستوافقان على استيعاب حوالي 2 مليون غزي بسبب المساعدات التي تقدمها لها الولايات المتحدة، فإنه يضعها في مفترق طرق لاتخاذ قرار غير مسبوق: المساعدات أو الضياع. عندما يكون هذا هو الخيار، فلن يكون قرار الدولتين صعباً.

تسفي برئيل

هآرتس 11/2/2025








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي