![](/img/grey.gif)
بعد نحو أسبوع فقط من أداء الرئيس ترامب اليمين القانونية، نشهد ولايات متحدة مختلفة – مختلفة عنها برئاسة بايدن ومختلفة أيضاً عن تلك التي عرفناها تحت رؤساء جمهوريين سابقين. في عدد لا يحصى من المراسيم الرئاسية التي وقع عليها، في التعيينات التي أجراها وفي تعيينات سابقة ألغاها، أشار ترامب إلى الأمريكيين وإلى العالم كله: ليس هذا تغييراً بين إدارتين، بل تحول، وبخاصة في المواضيع الداخلية، الهجرة، الصحة، الثقافة وما شابه.
يصعب التحدث عن التحولات الثورية في موضوع السياسة الخارجية. ففي مواضيع معينة، كالصين، كفيل الأمر بأن يكون استمرارية أكثر مما هو تغيير. وفي مواضيع أخرى، وسياقات دولية مختلفة، يتوقع ترامب تبادلية أكبر، وفي موضوع الناتو سيشترط استمرار التزام أمريكا بالمنظمة بمشاركة مالية أكبر من أعضائها الآخرين. في خطاب كفاحي مصور أمام مؤتمر “دافوس”، لم يوفر ترامب تحذيراته لروسيا وكندا وبنما والدنمارك، لكن لسبب ما غاب عن أقواله تطرق لإيران، وهذه نقطة يجب أن تثير اهتمام إسرائيل، التي يقف الموضوع الإيراني في مركز جدول أعمالها السياسي والأمني.
السؤال هو: هل ستكون الولايات المتحدة-ترامب شريكة إسرائيل في حالة وجوب العمل عسكرياً ضد طهران لسد طريقها إلى القنبلة وكبح توسع هيمنتها. إيران في ولاية ترامب الحالية، ليست تلك التي كانت في ولايته السابقة. خططها الإقليمية الأمنية تحطمت نتيجة إنجازات عسكرية واستخبارية إسرائيلية ضد حزب الله ووكلاء إيران الآخرين، وكذا في أراضي إيران نفسها. ومثلما يعتقد أريك أدلمان، الخبير الأمني الشهير في الموضوع الإيراني، وموظف كبير في إدارة الرئيس بوش، فإن الإيرانيين أكثر هشاشة اليوم من الماضي. ولذلك، وعلى خلفية وضعهم الاقتصادي المتهالك، سيكون ممكناً كبح ميولهم العدوانية حتى بدون عملية عسكرية، من خلال ضغط اقتصادي وسياسي مركز.
على أي حال، يتعين على الرئيس ترامب أن يقرر الخط السياسي الأمني الذي سيتخذه: فهل “سيكون علينا أن نعقد صفقة” لأن “نتائج التحول النووي الإيراني ليست ممكنة” أم سيحاول التوصل إلى اتفاق نووي جديد واوسع مع إيران بدلاً من اتفاق أوباما المليء بالثقوب، والذي ألغاه ترامب في ولايته الأولى، أم سيسير الرئيس في طريق ضغط شامل في كل المجالات، بما في ذلك إمكانية العمل العسكري”؟
جواب ترامب على سؤال صحافي إذا كان سيؤيد هجوماً إسرائيلياً على المنشآت النووية لإيران: “نأمل ألا تكون حاجة لذلك”. وإن كان هذا الجواب يفسر كتهديد على إيران، لكنه إشارة ثنائية القيم لإسرائيل. بعض الجهات السياسية والإعلامية في إسرائيل كادت تخرج عن أطوارها في توقعاتها من إدارة ترامب في الأشهر الأخيرة. وفقاً لمعظم المؤشرات، فإن ترامب وفريقه مؤيدون أقوياء لإسرائيل، وسبق أن أثبتوا هذا في عدة قرارات إيجابية. لكن ينبغي أن نتذكر بأن ترامب هو من يقرر الأمور، وإذا ما غير رأيه في مثل هذا الموضوع أو ذاك، فإن أحداً في فريقه لن ينبس ببنت شفه.
ينصب الاهتمام الأساس في إسرائيل هذه الأيام على مصير المخطوفين والثمن الباهظ للصفقة مع حماس. لكن ردود فعل إسرائيل على المأساة في 7 أكتوبر أنشأت لها نصراً استراتيجياً على إيران ووكلائها، ونتيجة لذلك تحظى مكانتها كقوة عظمى عسكرية وسياسية في الشرق الأوسط باعتراف عام متجدد، سواء من جانب أعدائها أم من جانب أصدقائها.
إن ضغط ترامب لإقرار صفقة المخطوفين ووقف النار لم يكن فقط -كما يهمسون في محيطه- لحصوله على جائزة نوبل للسلام (الأمر الذي يستحقه نتنياهو ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد بسبب تقديرات سياسية للقضاة النرويجيون)، إنما يريد ذلك أساساً ليدفع قدماً باتفاق إقليمي شامل بين إسرائيل والسعودية وأجزاء أخرى في العالم العربي والإسلامي، تحت المظلة الأمنية الأمريكية. لهذا، ستوجه الجهود السياسية العملية للرئيس في الفترة القريبة القادمة. كما أن هذا هو هدف إسرائيل، وبخاصة هدف رئيس وزرائها.
ونتيجة للخليط بين إنجازات الجيش الإسرائيلي وعودة ترامب، تقف إسرائيل أمام إمكانية تحول سياسي وأمني واقتصادي، وحيوي وواسع النطاق. ربما يفترض هذا رفع درجة حتى في مواضيع سياسية أخرى.
زلمان شوفال
معاريف 28/1/2025