ملفات خطيرة في رواية «بازار الفريسة» للأردني خالد سامح

2024-06-12

موسى إبراهيم أبو رياش

رواية «بازار الفريسة» للأردني خالد سامح من الروايات القليلة أردنيًا وعربيًا التي تحاول تعرية بعض مراكز الدراسات المشبوهة، وفضح علاقاتها الخبيثة، وعمالتها المؤكدة، ويزيد الطين بلة، عندما يقوم على هذه المراكز يساريون محسوبون على الثورة الفلسطينية، وهم في الحقيقة يطعنونها من الداخل ويتاجرون بها، مستغلين تاريخهم الثوري وعلاقاتهم في تحقيق مآربهم.

صدرت رواية «بازار الفريسة» في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2023، في 184 صفحة، وهي الثانية لخالد سامح بعد رواية «الهامش». وقد تناولت الرواية موضوعات كثيرة بالإضافة إلى مراكز الدراسات وتمويلها الأجنبي، مثل: الإدمان على المخدرات، الثورة الفلسطينية والمتاجرة بها، المسرح، تحولات المدن وخاصة بيروت وعمّان والزرقاء، الأحلام، دور المسنين، والخادمات، وغيرها. واعتمدت الرواية في سردها على الراوي المشارك «هالة» بالإضافة إلى الرسائل والأحلام والتخيلات والتهيؤات واسترجاع الذكريات. وتتناول هذه المقالة بعض محطات الرواية وموضوعاتها الرئيسة.

مراكز الدراسات المشبوهة

تثير مراكز الدراسات الكثير من اللغط حول مصادر تمويلها وأهدافها وحقيقة عملها، ويتساءل أي مهتم أو مطلع عن جدوى هذه المراكز التي لا سوق لها في الداخل الأردني، ومن يحتاج لها أصلا؟ وهب أن هناك من يستعين بها، لكن، هذا لا يكفي لتمويل عشرات المراكز وتوفير المصادر المالية اللازمة للرواتب والإيجارات وغيرها، مما يستدعي الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام وما يتبعه من تشكيك وتهم جاهزة.

في هذه الرواية، فإن السيد/الرفيق رشيد مرعي مدير مركز «جسور الحوار للدراسات السياسية» في عمّان، يتعاون مع السفارة الأمريكية وغيرها للقيام بدراسات «حسب الطلب» حول القوى السياسية المختلفة في الأردن، وأماكن قوتها، ورصد الشخصيات المؤثرة واستثمارها، واستخلاص الوثائق التي تثبت ملكية اليهود في بعض الدول العربية لصالح منظمة يهودية، ومتابعة نشاطات حركات الإسلام السياسي في المجتمع والجامعات والمساجد، والتركيز على التكفيرية منها، وأثر موجة الربيع العربي على الأردن، ومدى تقبل القوى السياسية للسياسة الأمريكية في المنطقة، وغيرها، وكل ذلك تحت شعار ظاهري هو تمكين الديمقراطية والتسامح ونشر ثقافة السلام.

لا شك أن لبعض مراكز الدراسات علاقات مشبوهة وقذرة، وتستطيع التحايل على القوانين السارية بذرائع شتى، لكن المفارقة في مركز «جسور الحوار» أن مديره رفيق وثوري سابق، كان له صولة وجولة في بيروت كمقاتل وصحافي، وأُبعد إلى عدن بعد حصار بيروت، ثم انتقل إلى عمّان مع أسرته، وهو أردني وزوجته لبنانية. ومما أكد الشبهات على رشيد وتعاونه مع جهات خارجية، تحسّن أحواله المادية بشكل ملحوظ، وتنقله من الأحياء الشعبية؛ ماركا، وجبل التاج، وجبل الأشرفية، مرورًا بالدوار الأول في جبل عمان، وانتهاءً بأم أذينة أحد أحياء النخبة المرفهة في عمّان.

ولعل إشارة الرواية لدور مراكز الدراسات المشبوه لم يأت من فراغ، فالكلام حولها كثير، وعمل الكاتب في المجال الصحافي والثقافي يتيح له الاطلاع على كثير من المعلومات والحقائق حولها، ولعل ما يعرفه أكثر بكثير مما باح به. وتنبش الرواية من جديد ملف مراكز الدراسات وضبط عملها وتقنينه.

المتاجرة بالثورة

المتاجرة بالثورة معضلة تعاني منها كل الثورات، فثمة نفوس ضعيفة أو خبيثة التحقت بالثورات لمصالح شخصية؛ إذ تشكل الثورة، أي ثورة، فرصة للظهور وإظهار البطولة والتميز عن الآخرين خارج صفوف الثورة، وقد ابتليت الثورة الفلسطينية بمن تاجر بها منذ بداياتها، وبعد اتفاقية أوسلو تحول كثير من الثوار إلى تجار.

استثمر رشيد مرعي ماضيه الثوري وعلاقاته المتشعبة في أعماله في مركز الدراسات، ووظفها لصالح نشاطاته المشبوهة، وتحول وهو الرفيق اليساري إلى برجوازي يلعب بالملايين التي انهالت عليه مقابل أعماله لخدمة الأمريكان وحلفائهم. ولا أدل على متاجرته بالثورة من قيامه بتحصيل الوثائق التي تؤكد ملكيات اليهود في الدول العربية، وتسليمها لجمعية يهودية؛ لتستخدمها بعد ذلك للضغط على هذه الدول لغايات سياسية من أهمها التطبيع ومعاهدات سلام بالإضافة إلى التعويض.

وتذكر الرواية نموذج «خليل رفّاع» الذي «ارتبط بعلاقات مع عدة مخابرات عربية، وأسس مجلة من مبالغ ضخمة كانت تصله عن طريق مخبرين نشطوا بمهمات قذرة في بيروت؛ من اغتيال واختطاف صحافيين، وتخطيط لتفجير سفارات عربية وأجنبية، وشراء قادة ميليشيات وأحزاب من كل الأطراف بالفلوس، وبعد الخروج ما ظهر إلا مع ياسر عرفات لما دخل غزة بعد أوسلو، استلم مناصب كبيرة، وأسس استثمارات ضخمة مشبوهة في رام الله، وبكل وقاحة كان يعلن أن معارضي عرفات سماسرة وعملاء، وحرض على اعتقالهم».

وأيضًا «رزق عبود» المكلف باستلام أسلحة الثورة التي تأتي عبر البحر، وفي عام 1978، تبين أنه سلم شحنة كاملة من الكاتيوشا والكلاشينكوف بقيمة 150 ألف دولار، إلى الجيش السوري مقابل ألفي دولار، وسجن شهرًا فقط، وخرج بعين قوية يهدد ويتوعد.

ما سبق، مجرد نماذج مكشوفة، وما خفي كان أعظم، وهؤلاء ما هم إلا سوس ينخر في جسد الثورة الفلسطينية، ويشوه سيرتها ومسيرتها، ويهدد حاضرها ومستقبلها، فلينتبه الشرفاء قبل فوات الأوان.

الفريسة غير البريئة

تَصَدَّرَ الرواية اقتباسان هما: «أن تموت، يعني أن تصبح فريسةً للآخرين» وهو قول لسارتر، والاقتباس الثاني ورد على لسان «سامي» أحد شخوص الرواية مخاطبًا هالة: «لكن… ليست كل الفرائس بريئة». ومناسبة هذه الاقتباسات، ما تعرض له رشيد زوج هالة بعد موته من حملة تشويه طالت سمعته وأعماله في مركز الدراسات، واتهامه بالعمل لخدمة أهداف غير مشروعة مع الأمريكان واليهود وغيرهم. ومن سياق الأحداث والمراسلات التي أوردتها الرواية، يتأكد أن رشيد فريسة مذنبة، وهو غير بريء من التهم التي أشيعت عنه، فــ«لا دخان بلا نار» كما يقولون، ولم يؤكد صديقه المقرب سامي التهم، لكنه لم ينفها، بل ألمح إلى مصداقيتها.

ولعل قول سامي «ليست كل الفرائس بريئة» تفتح عيوننا على حقيقة مرة ومؤلمة؛ فبشكل عام، «ليست كل الفرائس بريئة» بل إن معظم الفرائس/الضحايا تتواطئ لتكون فريسة؛ بضعفها وجبنها وجهلها وسذاجتها وأحيانًا قصديتها. والشواهد على ذلك كثيرة جدًا. ففلسطين مثلا، ما كان لها أن تسقط في براثن الصهيونية لولا التشتت والخلافات والتواطؤ والخذلان العربي، وجهل كثير من الفلسطينيين والعرب بما يخطط لهم، أي أن حال الفريسة كان يُغري الصياد القذر الذي كان يترصد طوال عشرات السنين. وجهل المواطن بحقوقه، يسهل على السلطة أن تظلمه، وجهل الموظف يمهد السبيل لرئيسه لاستغلاله، والصمت عن الظلم يستجلب الظلم، وطأطأة الرأس دعوة للركوب، وغيرها كثير. ببساطة، الفريسة ظالمة ومظلومة في كثير من الأحيان، وتستحق ما جرى لها؛ «وعلى نفسها جنت براقش».

ويختصر سامي الموضوع بقوله مخاطبًا هالة: «بعض الرفاق -واسمحيلي أحط وصف الرفاق بين قوسين- تحولوا لفرائس أكيد، بس قبل هيك كانوا هم المسؤولين عن تحويل كل شيء لفريسة؛ الثورة كلها صارت فريسة. الحلم صار فريسة. وعد «تحرير الأرض» صار كمان فريسة.. مسيرتنا وتاريخنا كله حولوه بأفعالهم لفريسة، وزعزعوا إيمان الجماهير بكل شيء».

وبعد؛؛؛ فإن «بازار الفريسة» لخالد سامح رواية جريئة، فتحت ملفات خطرة وإشكالية، ويذكر أنها منعت في الأردن، وعلل الكاتب السبب لوجود بعض الألفاظ الخادشة للحياء، ومع أني أتحفظ عليها؛ إذ كان بالإمكان التلميح والإيحاء بدل التصريح، إلا أني أرى أنها لم تكن سبب المنع؛ فتصريحات كثير من المسؤولين، والتي تنشر بالخط العريض، أكثر خدشًا للحياء وغير الحياء، وتستهبل المواطن وتستخف به، وتعمل على خداعه وتخديره. وسبب المنع برأيي أنها فتحت ملف مراكز الدراسات من جديد، وفضحت المتاجرين بالثورة، وأشارت إلى ممارسات خطيرة، وارتباطات خارجية، وعمالة واضحة، وهذا لا يروق لكثير من الجهات.

كاتب أردني








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي