تجليات عشبة الهائم

2025-01-27

نجمان ياسين*

 

مَن تكونين، عشبة البيضاء، أم عشبة السماء؟
عشبة الخلود أم عشبة حواء؟
مَن تكونين، شجني، وحنوي، وأنيني، أم جموح دمي، وطائر
نزقي، وبهجتي وحنيني؟
مَن تكونين، العشبة التي أترعت بعسل الأنوثة حدائق قلبي
وألغت مرارة أحزاني، وأطلقت جنوني؟
أم العشبة التي أفعمت روحي بالنور
وأخذتها إلى سر الأسرار، وحال الأحوال
وأضاءت في حريقي؟
هذه العشبة، موسيقى حدائق العشاق
وهيمان الدرويش في لؤلؤة الأعماق
سر انبثاق الزهرة، وتحولات النور
ثمرة قلبي، التي تبارك سقمي ولغتي
وتجعلني الشهيد في جنائن الآفاق
والمريد الواقف عند العتبات
متسولاً قطرة نور من هذه الياقوتة السمراء
محتدماً بالحب
وثملاً بالعسل الساحر والمسحور
تاجي لهيبي، وخطاي حريقي
ودروبي اشتعال وامحاء وفناء
في نور هذه العشبة التي فاضت من المشكاة
عشبة الصوفي التائه مثل سهم في الفضاء
عشبة البيضاء
هذه العشبة، أغنية تفضي إلى الأسى
نهر يقود دمي إلى المصبات البعيدة
ويأخذني إلى الردى
خمرة من دهشة وألق، ونار سماء
تثملني، تفني بدني
وتشعل الحريق في ذاكرتي، والفجر في عيوني
هذه العشبة، سحر افريقيا، وسحر الصحراء، وسر البيضاء
والمياه التي تبتكر عطش الحب، والعشق المدمّى
فراشة تزدهر بالنور، وتبتكر النور
وتشهر للملأ، تهدمي وفنائي
مِن أي سماء هبطت يا عشبة هذا السحر المزدان بالأرجوان؟
أي بحر منحك أسراره، وأية مياه، أية صحراء؟
وأية جبال، منحتك هذه الفتنة
التي تثير حرائق التجلي، ونشوة البكاء؟
أي أرض احتوتك، أي أرض أخرجتك، وأرضعتك فجر الأنوثة
وازدهت بك، وتوجتك؟
هل كنتِ عشبة الوثني
الذي يطلق ثيران الدم لتندفع في فلوات الجسد وحناياه البليلة
أم كنتِ عشبة البوذي
الذي يلجم خيول جسده ويرديها قتيلة؟
أم عشبة الصوفي
وهو يفجر ضوء الذاكرة
لتقف خارج الأسماء وعند عتبات الحال والوصول
وترتمي، خاضعة، ذليلة؟
أي ملاك رماك في دربي
وجعلك، ظنوني ويقيني؟
أي ملاك أسرى بك
وجعل الأرواح، تمجد آلاءك الجميلة؟
وأي مزمور هذا الذي صنع الأغنية
والجرح
في موسيقى الصوت، وأعلن تحريم فاكهتك الظليلة؟
عشبة الهائم المستهام، أهدته قمراً وقرنفلاً وأغنية حزينة
أمسك الهائم المستهام، نور السموات، ولم يمسك ضوء العشبة
أدرك، أن عشبة الخلود، غصناً يتخذ شكل أنوثة
ورمحاً يتقمص هيئة امرأة، وروحاً تتجسد في جسد
وأن الوصول إلى لب العشبة، حريق
والحال فضح وحريق
وأن هذه العشبة منذورة للمخطوفين، ومنذورة للحريق
والرحيل
عشبة البان التي أضاءت خمائل روح الهائم المستهام
ومَضَتْ في ليل الفراق
وأورثته هذا الشقاء والعناء
هتكتْ أستاره، وقادته إلى سدرة الغرام
والوله ولوعة الفؤاد
عشبة الينبوع، هربت برقراق وسلسبيل الماء
وأوقفت الهائم في عطش الصحراء
يا عشبة الهائم، تناءى الصبر، واتقدت نار الستر
فاض سعير الدماء، وضاع الدرب
أشرق طائر العشق، وأسلم القلب إلى صلوات الجمر
يا عشبة روحي، أنا الهائم المستهام
أنا الحافي، كنزي أسمالي
وتاجي فقري وخضوعي، وعلامتي اشتعالي
يا عشبة روحي، قودي بنور دمك
هذا الهائم المتعثر في ليل الفراق
والمستهام الذي أضاع النجمة
واسكبي عسلك الشهي، في علقم روحه المضطرمة.
أكانت تلك العشبة، وردة الحب الزرقاء؟
وردة امرأة واحدة أم وردة كل النساء؟
أكانت عشبة الندى، وعشبة كريات الثلج
أم عشبة البرق والمستحيل والردى؟
يا عشبة الغامض والمضمر والمستور
يا عشبة الكشف والفضح والمعلن والنور
صبي نورك في هذا القلب السكران
وقودي دمه العطشان، إلى فرات جنانك
أطعميه فاكهتك المترعة بالفتنة، والسحر
واسكبي ثمرك الريّان، في عروقه المشتعلة
عشبة ُ الظمأ وعطش الوردة
أسقيها بجوى القلب
وأسكب عسل شجني، في حدائقها الغضة
أرمي بروح الهائم، في بستانها المضيء بثمر الدهشة
وأصلي لهذا النور، وهذا البهاء الذي يغمر عسل العينين
أطلق عصافير أحزاني، وأفك القيود التي تبهظ روحي
أستغيث من هذا الشذا الذي يسكرني ويثملني
وأستجير بهذا الشذا الذي يهدمني، ويحييني
يا عشبة الكآبة والشقاء
يا عشبة السعادة التي تومض في الروح، وترف في سماء الدماء
يا عشبة النور
أعيدي مباهج العاشق المبددة
ولملمي شظايا هذا القلب المسفوح في طرقات الحب
يا عشبة الشغف بالضوء وتبدل الحال والاشتياق
ضمي هذا الدرويش الخائض غمرات العشق
إلى كنوزك الفاتنة
أوقفيه في سر النور، ووصال النور، والاتصال بالنور
واجعلي هذا الهائم، يسكن النور، ويفيض بالنور
تلك آخر الدنيا
آخر البحار التي أخذتني
آخر عطش يرج دمي ويفجر ينابيع الأسئلة
آخر رعد يعلن أشواق روحي الملتاعة، ويمضي بها إلى
أخضر الحلم، ويرميها في التهلكة
وتلك أول الدنيا
وأول عسل لم أذقه من قبل
وأول كوثر لم أرتشف بعد
وهي الصحو الأول، والمحو الأول
وأول يتم، وجرح
وأول حزن يرديني
تلك رعود تدهم سماء القلب
ونجوم تضيء الدرب
وتلك عشبة الحرائق في ذاكرتي
والعشبة التي أعادت وسامتي الضائعة
وأشهرت للملأ
قيامتي وجنوني


*شاعرعراقي









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي