نجمان ياسين
ها أنذا أقف أمام جسدك المبارك
وكلي مثقل بهذا المطر الأسود الذي اجتاح روحك
دمي غضب عارم
وعينان ذاهلتان
أمسك جنازة قلبي
وأضيع في موج همجي أخرق!
يتيم أنا من دون حضورك البهي
ذاكرتي تنزف
وفؤادي مطحون
٭ ٭ ٭
ها أنذا صبي أدرج في باحاتك الرحيبة
عيناي تحتضنان نورك الوسيم
وسماواتك تضمني، وتحنو عليّ
وتمنحني بركة البيوت المتآخية التي كُنتِ تحرسين!
٭ ٭ ٭
ها أنذا الآن، مسروقة طفولتي مني
أحسني جسداً بلا روح!
مقطوعة عروقي
ومنتهكة جذور أعماقي!
٭ ٭ ٭
كيف لي أن أبصر السماء من دونك؟
وكيف أُمسك وهج طفولتي وأنت نائية عني؟
كيف أُغادر كهوف الظلام، وأنا مقصي عن ضوئك الوفير؟
وماذا أقول لنور الدين زنكي
وأنا أبصرُ دموعه تنهمر
وجسده يتناثر في رحابك الذبيحة؟
أهذه هي دموع أُمي التي غادرت قبرها
تنسفح على جرحك، وتداويك وترثيك؟
وكيف، كيف، لم أستطع أن أصونك، وأحميك؟
٭ ٭ ٭
أنتِ الآن، شظايا، تناثرت
وحلت في أسرار البيوت
وبيوت المدينة، مالت عليك
واحتضنتك لتنهض بك من جديد
٭ ٭ ٭
صبي كنتُ بين يديك
وكهل أنا الآن
وليس من يعيد صباي إليّ سواك!
ليس من ينهضني من تهدمي
ويطلقني في مملكة الإسراء سواك!
٭ ٭ ٭
الآن، فقهتُ سرك
كنتُ بحثت عنك في السموات الدانية
والقصية
وفي أعماق النهر
وتاج الجبال
وفي حرائق قصائد العاشقين، الذاكرين
وها أنذا أجدك
في أعالي القباب البيض
وأعالي المزاغل والمقرنصات
وطفولة الغابات
ها أنذا أجدك
في أقبية الموصل العتيقة
ومحلاتها الخصيبة
وفي أخضر الجدران المزدانة بزغب العشب الوضيء
وبركة البيوت التي تسكنين
ها أنذا أجدك
في سلالة مياه العراق
وألواح آشور
ونقوش «الزنكيين»
وهم يطردون الفرنجة «عن مرمرك الموصلي المضيء
ها أنذا أشتعل ملهوفاً
وأبصرك في قلبي، منقوشة، تسطعين
وتُهديني الحزن واليقين!
دهوك في 25 حزيران/ يونيو 2017
كاتب وشاعر عراقي