
سلمان زين الدين*
(1)
وَطَني الكَبيرُ
يَضيقُ بِالجُثَثِ التي
تَعِبَتْ منَ السهَرِ الطويلِ
لَعَلها تَحْظى بِفاكِهَةِ النشورْ،
وَيَنوءُ بِالأرْزاءِ
يَرْشُقُهُ بِها مِنْ شاهِقٍ،
في غَفْلَةٍ منْ نَوْمِهِ،
عَصْفُ الدهورْ.
فَكَأنما قَدَرُ الكَبيرِ
هُوَ العُبورُ إلى الحَياةِ
على جُسورِ المَوْتِ مَمْهورًا بِتَوْقيعِ
الزلازِلِ وَالنوازِلِ وَالحُروبِ،
وَلَيسَ ثَمةَ منْ عُبورْ.
وَكَأَنما العَرَبِي مَنْذورٌ
لِأَنْواعِ المَهانَةِ وَالخِيانَةِ وَالخَنى
وعَلَيْهِ أنْ يُوْفي النذورْ.
وَكَأنما قَدَرُ العُروبَةِ
أنْ تَغيبَ عَنِ الزمانِ،
وَأنْ يَكونَ حُضورُها في العَصْرِ
مُقْتَصِرا على تَأمينِ ما
تَحْتاجُهُ الجُثُثُ الكَثيرَةُ منْ قُبورْ.
(2)
جُثُثٌ تَعومُ على العُبابِ
ولم تَجِدْ أحَدا يُواريها الثرى
فَالبَحْرُ يَلْفِظُها
وَيَأبى مَنْحَها شَرَفَ التحَللِ
في غَياهِبِ قَعْرِهِ،
وَالبَر يُوصِدُ دُونَها أبْوابَهُ،
وَيَحولُ دُونَ ثُوائِها في قَبْرِهِ،
وإذا بِها تَطْفو على سَطْحِ المِياهِ
كَما مَتاعٍ ساقِطٍ،
لا القَعْرُ يُوثِقُ ما تَداعى
منْ عُرى قُمْصانِها
وَالقَبْرُ أضْيَقُ حِيلَةً
من جَعْلِها وُثْقى العُرى.
(3)
جُثَثٌ تُحاوِلُ أن تَموتَ لعلها
بِالمَوْتِ تَرْأبُ صَدْعَها،
لَكِن حَفارَ القُبورِ يَضيقُ بِالمَوْتى
وَيُعْلِنُ عَجْزَهُ عنْ مَنْحِهِمْ ذَهَبَ الكَرى،
فَتَروحُ تَحْلُمُ بِالحُصولِ على القُبورِ
لَعَلها تُلْقي عَصا تَرْحالِها
في واحَةِ المَثْوى الأخيرْ،
حَتى إذا رَجِعَتْ
منَ الحُلُمِ الغَنيمَةِ بِالإيابِ
تَروحُ تَنْدُبُ حَظها دُون الوَرى،
لا تَسْتَطيعُ المَوْتَ كَالمَوْتى،
ولا تَحْظى كَما الأحْياءُ
بِالحَق المُقَدسِ في المَصيرْ.
(4)
جُثَثٌ تَعيشُ عَلى رَجاءِ
الرفْعِ منْ تَحْتِ الركامْ.
عَصَفَتْ بِها ريحٌ ضَروسٌ،
وَاسْتَباحَتْ حَقها في العَيْشِ
آلافُ البَراميلِ التي
هَطَلَتْ على الأرْضِ الحَرامْ،
فَمَضَتْ تُفَتشُ عنْ سَلامٍ
تَحْتَ أرْضٍ لمْ تَجِدْهُ فَوْقَها يَوْما
وَأيْنَ لَها ذاكَ السلامْ
في عالمٍ أعْمى البَصيرَةِ
يَسْتَوي في شَرْعِهِ النورُ الذي
يَغْشى القَناديلَ العَتيقَةَ وَالظلامْ
هُوَ لَمْ يُحَركْ ساكِنًا
ضِد الحَماقاتِ التي اقْتَرَفَ النظامْ.
(5)
جُثَثٌ على أرْضِ السوادْ
ما بَيْنَ دِجْلَةَ وَالفُراتِ
تَروحُ تَلْتَمِسُ القُبورْ،
وَكَأنما ذاكَ الأديمُ الخَصْبُ
مَصْنوعٌ مِنَ الشهَداء وَالقَتْلى،
على مَر العُصورْ،
وَكَأن تِلْكَ الأرْضَ
لا تَحْيا بِغَيْرِ المَوْتِ
يَصْنَعُهُ الطغاةُ الظالِمونَ
أوِ الغُزاةُ الطارِئونَ على البِلادْ
حَتى إذا ما أمْعَنوا في ظُلْمِهِمْ وَظَلامِهِمْ
جَعَلوا السوادَ عَلامَةً
تُومي إلى أرْضِ السوادْ.
(6)
وَطَني يُوَفرُ نِعْمَةَ النوْمِ العَميقِ
لِكُل مَنْ تَعِبوا منَ السهَرِ الطويلِ
وَلَيْسَ ثَمةَ مِنْ قَمَرْ،
وَيَروحُ يَجْتَرِحُ العُبورَ إلى الحَياةِ
على جُسورٍ منْ قُبورْ،
فَالصلْبُ يَتْبَعُهُ الترَجلُ
عَنْ صَليبِ المَوْتِ
وَالمَوْتى الألى بَحَثوا طَويلا
عنْ تُرابِ قُبورِهِمْ
لا بُد أنْ يَحْظَوْا بِفاكِهَةِ النشورْ.
وَعَلى ذُرى تِلْكَ القُبورِ الشامِخاتِ
لَسَوْفَ يَنْتَحِرُ المَطَرْ.
*شاعر لبناني