«العتاولة»: مُعطيات البلطجة والجريمة في دراما تدور حول نفسها!

2024-04-06

أفيش مسلسل العتاولة (تواصل اجتماعي)كمال القاضي*

لا تزال أنماط الدراما الشعبية هي الأكثر شيوعاً ورواجاً في الموسم الرمضاني، فرغم الانتقادات اللاذعة التي وجهت للأعمال السابقة التي تدور قصصها حول الصراعات الدموية وأعمال البلطجة والسرقة والنهب، إلا أن صُناع هذه النوعية يرون أنها الأكثر واقعية لمتغيرات الحارة المصرية الجديدة التي تتواتر فيها حوادث الإجرام على مدار الساعة، طبقاً لوجهة نظرهم وأحكامهم التعسفية وغير المنطقية.
ووفق هذه القناعة الثابتة لكُتاب ومؤلفي هذه النوعية من الأعمال الدرامية، يمكن التدليل على أن الخيال العشوائي في تدبيج الصور العدوانية والانحرافات الاجتماعية متصدرة صفحات الحوادث في الصحف والمواقع والسوشيال ميديا، حيث لا سبيل لتفسير الظاهرة المخيفة غير إسنادها لعالم الجريمة في الواقع الافتراضي.
في مسلسل «العتاولة» تتوافر كل مُعطيات الإثارة والتشويق الناقلة لرؤية الكاتب هشام هلال والمخرج أحمد خالد موسى، والمُجسدة صوتاً وصورة عبر أداء الأبطال أحمد السقا وطارق لطفي وباسم سمرة، ثلاثي الخوف والرعب والجريمة، فالصراع لم يخرج عن دائرتهم الجهنمية، فهم أرباب السوابق وأصحاب الصُحف الجنائية العامرة بالجُنح والجنايات وكل أشكال الخروج على القانون من قتل وسرقة وتآمر وتدبير لكل ما يُفضي إلى السجن ويغلظ العقوبات الجنائية. ويبدو أن هذه اللعبة استمرأها المؤلفون وأعجب بها أبطال العمل، الذين لا يجدون أنفسهم في الأدوار السوية، ربما لأن ملامحهم تشي بطبيعتهم الشرسة، باستثناء أحمد السقا الذي يحاول جاهداً الدخول في دور الشخصية بادعاء الشراسة والعنف، لكنه لم يفلح تماماً لوجود سمات الطيبة على وجهه، وهذا ما يجعله يبذل جهداً مُضاعفاً لإقناع المُشاهد بأنه جدير بدور البلطجي الذي يلعبه. كذلك طارق لطفي الذي يعتمد كل الاعتماد على الشكل الخارجي في إبراز سجايا المجرم، ومحاولة ترجمتها حرفياً في أدائه، لكنه إلى الآن لم يفلح في تأكيد ذلك، على الرغم من مضي عدة حلقات من المسلسل، فحلاقة شعر رأسه زيرو بالكيفية التي يظهر فيها، ليست كافيه لإعطاء انطباع مُقنع لدى الجمهور بأنه الرجل الشرير الضالع في الشر والقادر على سحق وسحل أباطرة المعارك داخل الحارة الشعبية بمفرده، في مبالغة لا تليق بتكوينه الجُسماني متوسط القوة والعضلات.
العنصر الوحيد الذي يؤدي أداءً تلقائياً في تقمصه لشخصية البطل الشرير الذي يُمثل خطورة حقيقية على المُحيطين به والمُتعاملين معه هو باسم سمره، لأنه يبتعد عن التصنع ويُفرط في بساطة أدائه الاحترافي فيبدو كأنه مُجرم أصيل في الإجرام، وهي إمكانية وقدرة فائقة تحددها الموهبة أولاً وأخيراً، ولو نظرنا إلى نقيض هذا الدور في مسلسل «ذات» على سبيل المثال الذي قدمه مع نيللي كريم قبل عدة سنوات سنلاحظ الفارق الشاسع بين دور عبده الزوج الطيب والموظف المثالي الذي أتقنه وأجاده في «ذات» وعيسى الوزان الرجل القاسي الغامض في العتاولة، وسوف نقترب أكثر من موهبته الواضحة بغير تزيد أو مجاملة.
ولأن جُل الصراع الذي يعتمد عليه المؤلف هشام هلال، ويحاول المخرج أحمد خالد موسى تفعيله عبر الشخصيات محصور بشكل أساسي بين الأبطال الرجال، فقد أدى ذلك إلى تهميش الأدوار النسائية وتحويلها من نقاط قوة داخل الأحداث إلى نقاط ضعف، على الأقل في ما يخص الحلقات الأولى من المسلسل، حيث لا تتعدى الإسهامات النسائية المرتبطة بالجُمل الحوارية دور أدوات الربط فقط لا غير، وهو إضعاف مؤثر بالسلب على مواهب البطلات مي كساب وزينة وحنان يوسف اللائي يستوجب حضورهن في المشاهد إضفاء قدر من الأهمية والعمق للمواقف والأحداث، ولكن لأن المساحات المتاحة قليلة وثانوية، فالمردود الانفعالي لدى الجمهور المُتلقي محدود للغاية. وهذا يقودنا إلى عُقدة الدراما المصرية في الأزمنة الماضية، إذ لم يكن هناك ثقة كافية في إمكانية تحمل المرأة للبطولة المُطلقة في أي عمل سينمائي أو تلفزيوني، اللهم إلا بعض الاستثناءات القليلة التي تُعد على أصابع اليدين، كفاتن حمامة وماجدة ونادية الجندي ونبيلة عبيد، وأخريات قليلات جداً كان لهن الحظ الوفير في اقتناص فرص البطولة المُطلقة دون الاعتماد على الرجل.
ورجوعاً إلى مسلسل «العتاولة» سنجد أن ثمة تشابها قويا من حيث الموضوع والطرح والحبكة الدرامية بينه وبين نماذج سبق تقديمها في المواسم الرمضانية الفائتة، أقربها كان مسلسل «ملوك الجدعنة» بطولة عمرو سعد ومصطفى شعبان، أو «سفينة وسرية» حسب التسمية الدرامية وهذا يعني أن الدوران داخل الدائرة المُفرغة ما زال هو الملمح الأوضح لجهود الكُتاب والمُخرجين والأبطال أيضاَ الذين تغويهم فكرة البطل الخارق الذي لا يُهزم، وفي النهاية يكتشفون أنهم لم يلعبوا إلا دوراً واحداً خلال عدة مواسم.

*كاتب مصري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي