هل يفشل الكاتب في حياته الشخصية وينجح في الكتابة؟

2024-12-31

ملصق فيلم «لونلي بلانيت» (مواقع التواصل)ضحى عبدالرؤوف المل*

إن تعايش الكاتب في تفاصيل حياته الدقيقة أفضل بكثير من أن تقرأه مقولة يمكن استخلاصها، بعد أن تنهي مشاهدة فيلم «لونلي بلانيت» (Lonely Planet) الذي نرافق فيه دعوة للأدباء من أمريكا إلى المغرب عبر كاميرا بسيطة تلتقط بعض التفاصيل الصغيرة كالجلسة في المقهى والأغنام في المرعى والبيوت الزرقاء. ولا أعرف لماذا أراد المخرج تصوير الفيلم في المغرب، دون تصوير لأماكن تراثية، بل اكتفى بالمكان الذي جمع الأدباء فيه، وهو فندق صغير بنكهة مغربية هادئة، يحتاجها الكتاب بمختلف شخصياتهم من المتهور الشبابي، إلى الرصين الذي يكافح لإنجاز الكتاب، ما يعكس التوتر الشائع بين الإبداع وحياة الكاتب الشخصية، فهل فكرة الاقتران بامرأة أكبر سناً جديدة في الدراما؟ وما الهدف من تصوير الفيلم في المغرب؟ وهل تحتاج فكرة الفيلم لكل هذا الالتفاف لقصة أقل ما يقال عنها روتينية؟ ليس هناك شيء جديد فيها إلا الأمكنة البسيطة جداً في بلد غني بالتراث؟ وهل للأدباء أمكنة باردة لا ينتمي إليها رجال الأعمال والمستثمرون؟
من تأليف وإخراج سوزانا جرانت، وبطولة لورا ديرن في دور كاتبة يثير انتباهها أوين بروفي (ليام هيمسورث)، المستثمر للأراضي، والبعيد كل البعد عن الكتابة والتأليف، الذي يعيش تذبذباً في علاقته مع كاتبة شابة تريد منه أن يهتم بما تكتبه، وامرأة كاتبة تكبره سناً تحتويه بشكل يثير عواطفه، التي تحتاج إلى حنان أكبر. وما بين كاتبة شابة وكاتبة ناضجة نتعرف على رافي (وهو يونس بوسيف) كاتب مذكرات عن جندي ليبي، يلهو في المنتجع ليستمتع بالحفلات. فهل يشكل الزمن الحي في أمكنة جديدة مسارات إلهامية يحتاجها الأديب ليكتب الجديد؟ وهل يحتاج كل هذا إلى فيلم مخصص لمعرفة برودة حياة الكاتب وحاجته إلى السفر؟ فهل للكاتب الحقيقي عالمه الذي لا يشبه عوالم الآخرين؟ أم أن عالم المال والاستثمار لا ينتمي لعوالم الكتابة؟
الفيلم يحاول إنتاج صورة للكتاب باختلافاتهم، والجيد منهم هو الناضج سلوكياً، من حيث فهم قيمة نفسه والابتعاد عند الضرورة لإضفاء الاستقلالية أثناء العمل الكتابي. على الرغم من أن الفيلم بسيط للغاية تصويرياً وموسيقياً، وفي التفاصيل غير المكثفة التي تشعرك بأنه غير رومانسي أيضاً بما تعنيه الرومانسية للكاتب، إلا أن التقاط الحدث وتكثيفه بالنسبة للكاتب هو ما لا يدركه غير الكاتب لأنه إحساس غير مفهوم عند الكاتب نفسه. وبنسب مختلفة تتغير من كاتب لآخر، فما عاشته الكاتبة الأكبر سناً يختلف عن الكاتبة الصغيرة التي تطلب من حبيبها أن يقرأ ما تكتبه، وأن يرافقها في لهوها وأثناء عملها الكتابي. إذ تبرز التناقضات بين الكتاب الذين يسعون وراء الإبداع وبين الشخصيات الأخرى التي لا تعير الكتابة أو الإبداع أي اهتمام. هنا يظهر المفهوم الكلاسيكي للكاتب ككائن معزول وملهم يبحث عن لحظة الإلهام في بيئات غير تقليدية. فالواقعية في الفيلم بعيدة عن خيال الكاتب وتهيمن عليه أبعاد المكان المغربي غير المفهوم للمشاهد. فنتساءل دائماً: لماذا اختار المخرج قرية في المغرب لتصوير الفيلم الذي لا يحتاج لكل هذا؟
إنها تعطيه رؤية الاستقلالية في أعماله الاستثمارية التي يحتاجها بعيداً عن الأدب، وعن حاجتها للغزل الدائم والاهتمام بتداخل مع هموم الكاتب، بما يخص إنتاجه الذي يعني له كل شيء في الحياة. وهذا ما نشهده عند سرقة اللاب توب الخاص بها الذي يحتوي على كتابها الجديد، وكأنه سرق كل ما تملك في الحياة. فأبسط الأحداث في حياة الكاتب تشكل النواة لأعمال ليس من الممكن أن تشكل شيئاً لغير الكاتب. فهل يشير الفيلم إلى فشل المؤلف المعزول عن مجتمعه الحقيقي من الكتابة الجيدة؟ أم أنه قصة ربحية لفيلم تجاري بحت؟
إن أهمية المكان واللحظة الفجائية هي التي تمنح الكاتب الرؤية الجديدة التي تجعله يقوم بتحديد مساره الجديد. وهذا ما حدث مع الكاتبة الكبيرة في العمر التي تحاول فهم مشاعرها نحو الشاب الذي يصغرها بالعمر، وهو يشكل الدم الجديد الذي تحتاجه لتستمر بالتجديد في الكتابة، لكنه بشكل مجازي لا يمكن فهمه بشكل مباشر وأنت تشاهد الفيلم، وكأن معاناة الكاتب في توليد فكرة جديدة هي التوازن النفسي الذي يحتاجه للكتابة، أو أن يختبر مشاعر ما يكتب عنه ليكون حقيقة بعيدة عن الخيال.
في النهاية يفتح الفيلم نقاشا فلسفيا حول ما إذا كان الكاتب يمكن أن ينجح في الكتابة في ظل ظروف حياتية غير مثالية. من خلال تسليط الضوء على استجابات الشخصية للبيئة المحيطة، كما يطرح تساؤلات حول دور المكان والزمان في تشكيل الإبداع الأدبي، وكذلك حول فكرة الكاتب ككائن معزول ومختلف عن باقي المجتمع فهل مارس كاتب الفيلم اللعبة الكتابية عبر رؤية خاصة بمستوى بسيط عززه بفكرة السفر التي لا يحتاجها الكاتب ليكتب جديده؟ وهل الفشل في كل شيء في الحياة يفرض علينا الهروب من الذات؟


*كاتبة لبنانية








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي