
تصريحات نائب الرئيس الأمريكي فانس، والمبعوثين الأمريكيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، أمس، تكشف واقعاً بائساً: بدأت واشنطن الآن في تشكيل فكرة قوة متعددة الجنسيات التي تستهدف العمل في قطاع غزة، وكأنه لم تمر سنة منذ أن تولت الإدارة زمام الأمور. إن دخول المحادثات بشأن تركيبة القوة متعددة الجنسيات ودورها إلى المرحلة الأولى يدل على كل شيء. لم يتم أي أعمال مشتركة جدية قبيل “اليوم التالي”، كما يتوقع من دولة عظمى لها رؤية استراتيجية.
من ناحية إدارة ترامب، فالهدف الوحيد هو إنهاء القتال وإعادة المخطوفين وتأجيل النقاش حول إعادة الإعمار والحكم في غزة إلى مرحلة لاحقة. المحادثات التي تجري الآن دخلت وتيرة عالية، لكنها بعيدة عن أن تكون خطة عمل واضحة. من أراد الاستقرار يمكنه عرض هيكل عملي واضح الآن: من يدير ويمول ويحمي، فلأجل دخوله إلى المنطقة بدون فراغ. المشكلة مزدوجة – أمريكية وإسرائيلية؛ لا توجد في واشنطن أي رغبة حقيقية في تحدي نتنياهو. صحيح أن البيت الأبيض يقيد مجال عمل رئيس حكومة إسرائيل، بالأساس فيما يتعلق باستئناف الهجوم في غزة، لكنه لا يفعل أي شيء يضره سياسياً. في الوقت نفسه، تضع إسرائيل فيتو ثابتاً، وهي غير مستعدة للسماع عن عملية تعيد السلطة الفلسطينية إلى القطاع بطريقة ما. هكذا وجدت دائرة مغلقة من التأجيل: الجميع يتحدثون عن “قوة استقرار دولية”، لكن لا أحد مستعد لوضع اسم لها أو علم أو مسؤولية. فقط ينتظرون، وكأن غزة منطقة فارغة وليست منطقة منكوبة.
المفهوم الجديد الذي وضع على الطاولة هو “غزة الجديدة”: مناطق ستقام تحت رقابة دولية في منطقة تحت سيادة إسرائيل، وهناك سيتم بناء “نموذج جديد” للفلسطينيين – بيوت، وعمل، وتشغيل. يبدو هذا واعداً إلى أن يعرفوا أن الأمر يتعلق بحلم لا بنية تحتية سياسية أو قانونية أو مالية له، فكرة جيدة أخرى ستسمح للجميع بالتحدث عن المستقبل بدون مواجهة الحاضر.
لا يسارع العالم العربي إلى ملء الفراغ. فالدول العربية ودول الخليج الغنية سبق أن اقترحت أفكاراً لليوم التالي وإعادة الإعمار، لكنها لم تستخدم أي ضغط حقيقي ذات يوم للدفع بهذه الأفكار قدماً. ما لم تعارض إسرائيل وما لم تدفع والولايات المتحدة، فلا محفز لتحريك أي شيء. من ناحيتها، الفلسطينيون يمكنهم الانتظار، الألم لا يكلف الأموال، والهدوء النسبي مريح جداً. هكذا تظهر الدول التي تفضل إدارة الأزمات بدلاً من حلها. الولايات المتحدة تسوف، وإسرائيل تتمسك بالفيتو، والعالم العربي يزحف. سنة 2025 أصبحت وراءنا تقريباً، ولا يوجد في غزة “يوم تال” ولا حتى خطة من أجله. ومن يتوقع حدوث تغيير في 2026 سيخيب أمله. في إسرائيل يقولون إن الأمر يتعلق بسنة انتخابات لا تُتخذ فيها قرارات. هكذا سيطيلون الانتظار والتسويف، وسيضخون بعض المساعدات، وسيتم إخلاء آلاف المصابين، وسيتقلص السكان، وسيترسخ الروتين الجديد: قطاع معزز إنسانياً بدون أفق سياسي ولا تساؤل عن السيادة.
في حين أن واشنطن تتحدث عن “غزة الجديدة”، فالواقع يخلق “غزة القديمة”، مع قليل من أمل ومزيد من تعب.
جاكي خوري
هآرتس 22/10/2025