
لحظة محرجة قد تلمح في قمة “السلام 2025” التي عقدت في منتجع شرم الشيخ الفاخر الثلاثاء، إلى خطة السلام الكبيرة للرئيس ترامب. شكر ترامب رئيس الإمارات محمد بن زايد، وطلب منه الوقوف لتلقي المديح، لكنه تفاجأ من غيابه.
قد يكون تجاهل ترامب لغياب الشخص، الذي تعهد باستثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة، عن القمة، هو إهانة للزعيم الغائب، بل هو أكثر من ذلك، يثير التساؤل حول فائدة تنفيذ الخطوات التالية في الخطة التي تتكون من 20 نقطة. بن زايد ليس الغائب الوحيد، فمثله أيضاً ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، لم يحترم المستضيف السيسي، أو ترامب. ومثلهما أيضاً حاكم سلطنة عمان.
لم يُقدم أي تفسير رسمي لغياب هؤلاء الزعماء الثلاثة عن قمة شرم الشيخ. ولكن معروف أنه في الفترة الأخيرة التي شهدت مفاوضات كثيفة لإتمام صفقة التبادل، ظهرت خلافات في الرأي بين السعودية والإمارات ومصر. يقال في هاتين الدولتين إن السيسي يجري المفاوضات بدون التنسيق معهما، وإنه يبلغهما بالنتائج لاحقاً. ولكن الخلافات الجوهرية بينهم يتعلق بوضع حماس في القطاع بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي.
حسب مصادر أردنية، اشترطت الرياض وأبو ظبي المشاركة في خطة إعادة الإعمار بنزع سلاح حماس، وألا تكون حماس موجودة في القطاع كمنظمة أو كحركة. هذا الشرط لم يظهر في خطة ترامب، التي بحسبها يجب على حماس نزع سلاحها وأنه لا يمكنها المشاركة في إدارة القطاع، لكن حماس قد تبقى في القطاع كحركة سياسية وحتى المشاركة في الانتخابات مستقبلاً.
مصر، التي بذلت الجهود لسنوات واستخدمت الضغط على حماس وعلى م.ت.ف لتوحيد الصفوف، تصر على أن الصيغة التي تشترط نزع سلاح حماس، لم تكن ستمكن من اتفاق لوقف النار وإطلاق سراح الرهائن. إن موافقة مصر وقطر وتركيا ودعم ترامب للصيغة التي تعتبرها السعودية “مرنة” و”متساهلة” مع حماس، وحقيقة أن ترامب سمح لمساعديه بإجراء مفاوضات مباشرة مع قيادة الحركة، تضع الرياض وأبو ظبي الآن في مأزق قد يؤثر على استعدادها للمشاركة في تنفيذ خطة ترامب.
حوالي 20 دولة شاركت في قمة شرم الشيخ، من بينها أربع دول هي مصر، قطر، تركيا وأمريكا، وقعت على إعلان ترامب للسلام والازدهار الدائم. ولكن السعودية، والإمارات التي لم توقع، هي الدعامة الأساسية، التي -حسب ترامب- تعهدت بأن تكون الصراف الآلي الذي سيمول أجهزة الإدارة المدنية الجديدة التي ستقام في غزة، وأيضاً قوات الشرطة التي تتدرب الآن في مصر والأردن، وفي نهاية المطاف إعادة إعمار القطاع.
كلمة “سلام” ظهرت 13 مرة في الإعلان القصير، لكنها لم تفسر حجم الأموال المطلوبة لتطبيق الخطة، ولا تظهر من هي الدول التي ستقدمها. الأمر الذي لا شك فيه هو أنه بدون التمويل الكبير المطلوب، الذي قدر في شباط الماضي بـ 53 مليار دولار، ويقدر الآن بـ 70 مليار، فإن السلام المتوقع في قطاع غزة، ومنها في كل الشرق الأوسط، قد يبقى على الطاولة التي فرغت بعد انتهاء القمة.
في هذا السياق، يجب التذكير بأنه قبل تسع سنوات بالضبط، في تشرين الأول 2014، تم عقد مؤتمر الدول المانحة في مصر، الذي استهدف تجنيد الأموال لإعمار قطاع غزة بعد عملية “الجرف الصامد”، في حينه قتل 2200 فلسطيني تقريباً، وتم تدمير 150 ألف مبنى. الدول المانحة في حينه تعهدت بتمويل 5.4 مليار دولار، النصف لغزة والنصف الآخر لميزانية السلطة الفلسطينية.
بعد ثلاث سنوات من ذلك فقط، ذهبت 45 في المئة من الأموال إلى أهداف خصصت لها، كان معظمها من قطر. السعودية في حينه، امتنعت عن المشاركة في قائمة التبرعات بذريعة أنها قدمت بالفعل مساعدات بما فيه الكفاية في السنوات السابقة. في ظل هذه الظروف، سيكون مثيراً للاهتمام معرفة من سيشارك في مؤتمر الدول المانحة لقطاع غزة، الذي سيعقده السيسي الشهر القادم في مصر، وما هو حجم الالتزامات.
مع ذلك، قبل دخول أي دولار إلى قطاع غزة، من الضروري والمستعجل إقامة “قوة الاستقرار الدولية” التي من المفروض -حسب خطة ترامب- أن تتولى حماية قوات الإدارة المدنية التي ستقام في المناطق التي سينسحب منها الجيش الإسرائيلي، ومساعدة قوات الشرطة المحلية وجعل غزة “خالية من الإرهاب”. ولكن حماس لا تنتظر إقامة القوة الدولية، وقد بدأت بالفعل في استعراض قوتها بعنف شديد ضد سكان غزة وتصفية الحساب مع المليشيات المحلية مثل مليشيا ياسر أبو شباب، التي تشكلت بمساعدة اسرائيل، والعشائر المحلية.
على سبيل المثال، قتل في المواجهات في نهاية الأسبوع الماضي حوالي 20 شخصاً من أبناء عائلة دغمش، إحدى العائلات الكبيرة المسلحة في غزة، التي دعمت فتح ضد حماس سابقاً، ولكنها اضطرت لدعم حماس بعد الصراع العنيف الذي بدأ عندما سيطرت حماس على القطاع في 2007.
أثناء الحرب، حاولت اسرائيل تجنيد هذه العشيرة كقوة بديلة لحماس، ولكن بدون نجاح. خطر كبير يهدد مسلحي مليشيا أبو شباب، التي جندها “الشاباك” والجيش الاسرائيلي، والآن بقيت بدون حماية بعد الانسحاب الجزئي للجيش الاسرائيلي.
نشطاء حماس والعصابات التابعة لها سيطروا منذ وقف إطلاق النار على قوافل المساعدات الإنسانية التي دخلت إلى القطاع بحجم كبير، وبواسطتها يحاولون إعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية لحماس، ويفرضون على مليون فلسطيني تقريباً، ممن يعيشون في القطاع ويعتمدون على هذه المساعدات، الخضوع لتعليماتهم.
أرسلت الولايات المتحدة حوالي 200 جندي لتنسيق تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والرقابة عليه، لكن هذه القوات لا يمكنها المشاركة في عمليات قتالية داخل القطاع في إطار قوة الاستقرار الدولية. ولا إجابات حتى الآن على أسئلة مثل: من سيشارك في هذه القوة، وكم جندي سيكون فيها، وما هي أوامر فتح النار المعطاة لها وكم من الوقت ستتواجد في غزة. وقد تمت مناقشتها بالخطوط العامة فقط على هامش قمة شرم الشيخ.
هناك فجوة كبيرة تفصل بين قدرة الرئيس ترامب على فرض وقف النار على إسرائيل والانسحاب من القطاع، وبين قوته على إجبار الدول العربية أو الغربية على إرسال جنودها إلى غزة أو الإسهام من خزينتها في إعادة الإعمار. إذا كانت هناك أي احتمالية لتجنيدها فتكمن في حل سياسي واقعي يضمن اعتراف الولايات المتحدة بحكومة فلسطينية، وبداية شراكة فلسطينية حقيقية ومباشرة في إدارة القطاع، من المرحلة الثانية في الخطة – أي من أمس.
لكن بادرة حسن النية الوحيدة التي بادر إليها ترامب للممثل الفلسطيني المعترف به هي مصافحة رئيس السلطة محمود عباس، الذي لم يعطه تأشيرة دخول للولايات المتحدة، وتبادل بضع كلمات المدح والثناء، وهي بادرة حسن نية تقريباً بإجبار من الرئيس الفرنسي ماكرون. وهو غير مستعد لسماع أي شيء بما يتعلق بنقل الصلاحيات في غزة للسلطة.
تسفي برئيل
هآرتس 15/10/2025