قادة طهران بتوجس: هل "يضحي" بوتين بإيران على مذبح علاقاته مع ترامب؟

الامة برس-متابعات:
2025-10-21 | منذ 8 ساعة

موقف إيران وخططها غامضة، وكذلك ترامب؛ إذ لم يقرر بعد أين سيضع إيران على خارطة طريقه التي ستحقق “السلام العالمي” (ا ف ب)بدون احتفالات ومراسم، وبدون مؤتمرات دولية وخطابات مشتعلة، انتهت السبت حقبة زمنية. الاتفاق النووي مع إيران، الذي تم التوقيع عليه في 2015، وصل بعد عقد إلى نهاية سريان مفعوله بدون أن يحقق لإيران ولكل العالم الأحلام التي تراكمت حوله. كان يمكن أن تكون إيران دولة مزدهرة، مع خطة نووية محدودة ومراقبة، ومع علاقات مدهشة مع معظم دول العالم. ولكن سيرورة التاريخ لا تأخذ الاتفاقات الدولية في الحسبان، وتخلق واقعاً خاصاً بها. بعد ثلاث سنوات على التوقيع على الاتفاق في أيار 2018 قرر ترامب تحت ضغط كبير من إسرائيل، الانسحاب بشكل أحادي الجانب من الاتفاق النووي، وهكذا أحدث الانعطافة التي بدأ منها التدهور الخطير الذي وصل إلى ذروته في حزيران الماضي، عند بدء الحرب بين إيران وإسرائيل بمشاركة أمريكية كثيفة.

ولكن هذه الحرب أيضاً لم تحقق هدفها. ترامب يؤمن أن الحرب “دمرت المنشآت النووية في إيران كاملة”، لكنه إنجاز مختلف عليه. حتى الآن، ليس معروفاً حجم الضرر الدقيق الذي أصاب المنشآت، وأين يوجد حوالي 400 كغم من اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة، وما طبيعة النشاطات لإعادة الترميم التي تنفذها إيران في جزء من هذه المنشآت، وبالأساس، هل هناك احتمالية للتوصل إلى اتفاق نووي جديد؟

موقف إيران وخططها غامضة، وكذلك ترامب؛ إذ لم يقرر بعد أين سيضع إيران على خارطة طريقه التي ستحقق “السلام العالمي”. لأنه، بما يشبه حوار مزدوج الأبعاد يجريه مع حماس بتضمين “الدمار الكامل” و”فتح باب جهنم”، ثم يلجأ لتقليص هذه التهديدات بإعطاء تعليمات لإسرائيل بوقف الحرب وإجراء مفاوضات مباشرة مع كبار قادة حماس… هكذا يتصرف مع إيران أيضاً.

أمام تهديد لإيران باحتمالية مهاجمتها، ينقل عن ترامب قبل عشرة أيام القول بأن إيران تؤيد خطة العشرين نقطة التي صاغها لإنهاء الحرب في غزة. “إيران معنية بالعمل من أجل السلام. قالوا لي ذلك، وأوضحوا بأنهم يؤيدون خطتي بشكل كامل. نقدر ذلك وسنعمل مع إيران على ذلك. نريد رؤيتهم يبنون بلادهم، لكن لن نسمح لهم امتلاك سلاح نووي”، قال الرئيس ترامب. هو لا يضلل هذه المرة. فقد غرد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن “إيران تبارك كل مبادرة تنهي الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في غزة، وتضمن إبعاد الاحتلال عن غزة”. ولكن مثل نتنياهو، رفض الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الدعوة التي حصل عليها من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمشاركة في “مؤتمر السلام” في شرم الشيخ. “لا يمكننا العمل مع شركاء هاجموا الشعب الإيراني ويواصلون تهديدنا بالعقوبات”، كتب عراقجي في شرحه لرفض الدعوة. ومثلما في إسرائيل، تعرض إيران الرئيس للانتقاد بسبب تفويته فرصة ضم بلاده إلى طاولة متخذي القرارات الدولية، وربما البدء في مفاوضات مباشرة مع الرئيس الأمريكي.

الاختلاف حول مشاركة إيران في مؤتمر شرم الشيخ هو هامشي في الواقع بالنسبة لقضية المشروع النووي، لكنه يدل على تخبط شديد بشأن للاستراتيجية السياسية الشاملة التي يجب على القيادة تبنيها.

منذ بداية الحرب، كانت إيران ضيفة ثابتة في مؤتمرات القمة الإقليمية التي عقدت تحت عنوان “مؤتمرات عربية وإسلامية” بهدف عرض الحرب في غزة كموضوع يقلق العالم الإسلامي كله، وليس كقضية محلية وعربية. واضطرت إيران أيضاً إلى ابتلاع عدة ضفادع في هذه المؤتمرات، عندما طالبت القرارات المتخذة في هذه المؤتمرات بنزع سلاح حماس أو إبعادها عن أي مشاركة في إدارة القطاع.

إيران التي تطمح إلى استئناف علاقاتها مع مصر، منحت حتى الرئيس السيسي شرف استضافة مراسم التوقيع على الاتفاق لاستئناف نشاطات مراقبي الوكالة الدولية للطاقة النووية في المنشآت النووية في إيران، الذي تم التوقيع عليه الشهر الماضي. ولكن في حين أن إيران تعد جزءاً من إجماع دولي واسع بخصوص وقف الحرب في غزة إيران، فإن قضية الذرة قصة مختلفة في أساسها، تمس بصراعات القوة الداخلية ومستقبل الدولة.

هل يمكن الاعتماد على بوتين؟

يلوح الآن من فوق رأس إيران سيف العقوبات الدولية التي قد تعود مع تفعيل بند إعادة فرض العقوبات الذي دخل حيز التنفيذ السبت الماضي. الجهود الدبلوماسية الكثيفة التي بذلتها إيران، ومحاولة الحصول على تأجيل لتفعيل هذا البند لم تنجح، وتدعي طهران الآن أنه عند انتهاء صلاحية الاتفاق النووي، فلن يكون بند إعادة فرض العقوبات ساري المفعول.

“جميع بنود الاتفاق، بما في ذلك البنود التي تفرض القيود على المشروع النووي الإيراني والآلية المرتبطة بذلك، تعتبر لاغية مع انتهاء صلاحية الاتفاق”، قيل أول أمس في بيان وزارة الخارجية الإيرانية. على الصعيد الدبلوماسي، نجحت في تجنيد دعم الصين وروسيا، اللتين تؤيدان ادعاء إيران، لكن هناك شكاً كبيراً في نجاح هذه المبررات القانونية.

النقاش العام الذي يجري في إيران الآن حول موضوع استئناف العلاقات بين إيران والولايات المتحدة يدل أيضاً على أن التقدير الذي يفيد بأن روسيا والصين “ورقة مضمونة” ستمكن إيران من التملص من العقوبات، ليست ورقة آمنة في الحقيقة.

“روسيا دولة مهمة في منطقتنا، لكن لها خطوطاً حمراء: ضمان أن إيران لن تقيم ذات يوم علاقات سلمية مع العالم الخارجي”، هكذا هاجم محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران السابق في فترة التوقيع على الاتفاق النووي مع الدول العظمى الستة، وحتى إنه عمل لفترة قصيرة كنائب للرئيس بزشكيان. هذا في الحقيقة تصريح استثنائي من حيث شدته، لكنه جزء من التصريحات الجديدة تجاه موسكو، التي وصلت إلى الذروة عند سقوط نظام الأسد في سوريا، واتهام روسيا بأنها لم تساعد الرئيس السوري، وهي بهذا خدمت إسرائيل.

روسيا والصين وقعتا على اتفاقات بعيدة المدى للتعاون الاستراتيجي مع إيران، تشمل استثمار مئات مليارات الدولارات، لكن هذه الاتفاقات لا تتضمن تعهداً بالدفاع عن إيران إذا تعرضت للهجوم. في إيران نشر أنها وقعت مع روسيا على اتفاق لشراء 48 طائرة من نوع “سوخوي 35″، ولكن في 2022 نشر عن صفقة مشابهة لشراء 24 طائرة “سوخوي”، التي لم تخرج إلى حيز التنفيذ حتى الآن.

في المقابل، التقارب الجديد بين روسيا وسوريا، وزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لموسكو الأسبوع الماضي، أشعلت الضوء الأحمر في طهران. تخشى إيران من أن يكون التقارب الجديد بين روسيا وسوريا على حسابهم.

“تنفيذ الاتفاق بين إيران وروسيا قد يواجه صعوبات؛ لأن روسيا ستفعل كل ما هو جيد لها”، حذر نعمة الله ايزادي، سفير إيران في موسكو سابقاً. وقد ألمح إلى أن الرئيس بوتين قد “يضحي” بإيران على مذبح علاقاته مع ترامب، لإزالة تهديد فرض العقوبات الدولية عن روسيا. وعلى خلفية هذا المناخ، لن تكون إيران هادئة من رسالة بوتين التي جاء فيها بأنه تحدث مع نتنياهو، الذي وعده بأن إسرائيل غير معنية بمواجهة عسكرية مع إيران.

حسب تقارير في موقع “أمواج”، نقل مستشار رفيع لبوتين إلى السفير الإيراني في موسكو نسخة عن المحادثة الكاملة بين بوتين ونتنياهو في ما يتعلق بمواجهة عسكرية مع إسرائيل، ربما يمكن لإيران الآن “الاعتماد” أكثر على ترامب بأنه لن يسمح لإسرائيل بجره إلى مغامرة عسكرية جديدة، في الوقت الذي ما زالت فيه جبهة غزة مشتعلة.

مع انتهاء صلاحية الاتفاق النووي وتفعيل بند إعادة فرض العقوبات، تدخل قضية إيران إلى مرحلة الانتظار، التي ستفحص فيها تأثير العقوبات الاقتصادية الجديدة على قرارات إيران، وبالأساس سؤال: هل ستنضم الصين وروسيا إلى هذه الخطوة؟ أثبتت إيران في السابق قدرة مثيرة على الصمود في ظل العقوبات الشديدة، لكنها أظهرت “مرونة بطولية”، حسب أقوال الزعيم الأعلى علي خامنئي، عندما قررت التوقيع على الاتفاق النووي. يبدو أن اتخاذ قرار حول هل سيتم التوجه إلى خطوة دبلوماسية “بطولية” أخرى، سيكون مرهوناً الآن بنتائج صراعات القوة الداخلية أكثر مما هو مرهون بالضغط الخارجي.

 

تسفي برئيل

 هآرتس 20/10/2025










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي