
* محيي الدين جرمة
يهدي القاص والروائي اليمني /الأمريكي عبد الناصر مجلي عمله الروائي الجديد والمائز"رجال الثلج" الصادرة طبعته الأولى 2009عن مركز عبادي للنشر بصنعاء : إلى القتلة الذين صنعوا لنا كل هذا الدمار!!! وبعد علامات التعجب يستغرق الراوي في عرض" الفصل الأول ساردا في لغة سخية المعنى والمفارقة المجاوزة بخفتها واسترسال مفرداتها المقتصدة بأكثر من دلالة وعلامات تشي عبر استطراد راويها لتنقل متلقيها وسط اندهاش انتقالاته البصرية المأخوذة بمعطى : ما قاله "عبد الله" قبل أن يموت بعمره المنقوص بأرقام/ وحيث "حصار القتلة أتاه من كل اتجاه.يقول:" كانوا أربعة. تركُهُ الباب مفتوحا كان سببا كافيا للقتل" وهنا حيث يختزل السارد معنى ما تنبىء عنه خطورة المشهد في كلمتين تتوسطهما أداة تخيير" أو" خطاب يحمل سمة التهديد والحسم الغير قابل للمساومة أو الأخذ والرد.ذلك أن قولة" المال أو حياتك" كانت تلك بالطبع ليست إلا شفرة موت ورمزية اقتصال وبشاعة لا تحتمل معها أية "معمعة أو ممانعة إزاءها.ما لم فأي تنازل سيكون ليس أقل من رصاصة غير محسوبة العواقب وفي مشاهد غابية ملتبسة كتلك غير أنها "كانت كبيرة تلك الجملة المتحدية. كبيرة في تحملها.في تصديقها.وفي الاستجابة لها وبشبه تعريف آخر ومضمر لقصد كونها "هي معركة"كما تحكي الرواية.
إنها رواية إذا مختلفة ومقتدرة بحق في فعلها الثقافي ومقاربتها وتشوفها بغنائية الألم والاستباق الفاضح لإدانة إعاقات الشارع المنفلت في بعض شواهده المروعة ولافتاته التي تفضي إلى ما يشبه محاكاة لسيناريوهات هوليودية عبر شاشة بلازما الدم السائل من غرف كونية بعيدة عن دلالة التموقع وآمال العيش المأمول في كنف أكثر أمانا وانبساطية.لقد اختار الراوي في "رجال الثلج" فكرة التحول السردي وتصميم رؤية وتخيرخداع المرايا التي تخدع في العادة من لا يتوافر على فراسة التجربة ومخالطة المشاهد كما عبر اختيار فضاءاتها وشخوصها وأمكنتها الحميمة من واقع معايشة مألوفة وأليفة معا وتنظر في سياقه الأحداث بصدق علاقتها وطراوة لغتها التي تنساب في بياض المعطى الوجودي والسردي بتشكلاته عبر فضاءات المكان الواحد المتعدد.إضافة إلى امتثالية الراوي لأكثر من معنى و قدرته اللا تحد على وصف جديد وأسلوب يتغاير كليا ويجاوز أعمال وتجارب سابقة له على صعيد كتابة القص والرواية.لينفرد هذه المرة عبد الناصر مجلي بأفق الاشتغال والمثول اللا متناهي ويتجلى ذلك عبر إخلاصه للمفردة أو الجملة السردية في سياقات شتى وفي شكل وصورة تعاطيه وحداثة مقاصده السردية الذكية في غير مجلىً واستجلاء لمُجلي ومستوى يعرض بلسان خطابه الروائي الجديد بينما يطرق ثيمات تمثل الاختلاف لجهة تشخيصها المقارن حيث تبرز انثروبولوجيا الروائية المقاربة سيكلوجيا التفلت والافتئات في مجتمع متعد ومزدوج الهوية يتناقض حتى في تناقضه بقدر ما يمثل منظومة القيم التي تكاد تبز غيرها في واقع التشريع والحقوق للإنسان في العالم.في حين تفضح الرواية في جزء من مسرودها لجوانب من توتر إيحاءات وشواهد ووثبات اللغة الحافلة باشتباك المآلات والإلتباس الحاصل في ظل هامش الجاليات والأقوامية المشتبكة في معيشها ومخيالها البانورامي وثقافاتها التي تتغذى هنا أو هناك على مآثروتنوع ثقافات متتعددة ومختلفة تشتبك وتتقاطع بقدر ما تمثل في مجملها نتاجا للطيف الذي لا ينفك السارد في عرض اشتباكه وتموضعه الروائي في تماسه بواقع ينزع عبره إلى استلهام معادل موضوعي لا يعدم التخييل بمعطى شعرية السرد الغالبة في تأثيراتها وما تنمنحه من سمة اجناسية مشتركة تجعل التداخل أفقا وشاشة عرض.تتنوع في شكل وصورة أساليبه السردية عبر انجراف وصفي يبرز من خلالها السارد بشخصيته المحورية هو الشاهد على طبيعة المعايشة الآسرة في حزنها وإنسانيتها الشفيفة بتماسها الذكي في التفاعل والإلتقاط السردي والفوتغرافي والمتخيل.إلى جانب شغفه بحالة الترقب والقلب الحارس لرغبات السلام والتعايش الحميم في سياق الحدث المرئي في انتقائيته واختراقه لقلب المعنى والعالم في كونية الفضاء الملتبس وتراجيدية العلاقة التي تحيل على تشظيات الذات والهوية بقدر ما تعيد النظر في طرح أسئلة جديدة تستحضر موضعة مفهوم الاغتراب في سياقات مكانية وزمانية تستدعيها أحوال وتصادمات بعينها في قلب الأحداث وتشابكاتها .لكن يبقى الراوي على صلة ويقظة بإحساس ورهافة الرؤية وتراكمات التجربة لديه والمعاينة المتواترة في نظراتها وتفجعها الحميم لدرأ الإنزلاقات والتشوه في جسم بنية الرواية الآسرة التي تعد العمل المختلف و المتجاوز من بين أعمال مجلي السابقة والتي من بينها "جغرافية الماء" كرواية سابقة ولاحقة في طبعة جديدة يني الروائي إصدارها قريبا ولعلها لم تلاق مالاقته روايته هذه التي بين أيدينا من اندهاش وانشداه كبيرين مصحوبا بإعجاب عديد من النقاد والروائيين والكتاب اليمنيين والعرب المقيمين في اليمن ومن بينهم القاص والروائي وعالم الجغرافيا العراقي شاكر خصباك والناقد المعروف الدكتور حاتم الصكر والناقد والشاعر السوري الدكتور إبراهيم الجرادي وغيرهم. ويبقى أن أنوه هنا في مجتزأ قراءتي هذه عن "رجال الثلج" أنه قد يلحظ بعض الباحثين حجم الاستمتاع والإحاطة بجمالية ومسرد هذا العمل الروائي اليمني المختلف بأفقه العالمي خاصة إذ يثير على غير العادة أسلوب جديد وأسئلة ومفارقات على صعيد مفاهيم بقيت مموهة في حياتنا دون أن تستطيع الفلسفة أو الفكر المعاصر تبسيطها كمفاهيم ذات علاقة بتحولات مفهوم الاغتراب وتشظيات العلاقة في ثنائية المنفى أو المهجر والوطن بمعطى الذات والهوية في سياق العمل الإبداعي باجناسيته المختلفة وأجد في فضاء رواية عربية جديدة كهذه أكثر من عامل إغراء لتعقب الأثر والمقاربة في سياق قراءتي لرجال الثلج فوجدت أنه لكي توصل متعة إلى المتلقي لابد لك أن تقارب العمل بحميمة التطلع وتأمل الحياة في وريد المفردة السردية ومعايشتها وهو ما حاولت وأحاول أن أقصده كمقاربة بنيوية للرواية ترتكز بالدرجة الأولى :
- في رؤية ثيماتها الأساسية والمتنوعة.
- لغة الراوي
- سمات دلالية ورمزية تعدد المكان كفضاء روائي رحب.
- شخصيات محورية/ ش/ ثانوية.
- تعيين الحدث في تواشج أحداث أخرى.
- سمة التعاطي في تكون الشخصيات وارتباطها الدلالي بتعالقات فضاء وحدث الرواية.
- التماس بتحولات الذات والأمكنة ..وحداثة انزياح دلالة ومفهوم الإغتراب.
- الزمكان في سياق البنية الفنية للسرد.
- تشظيات الهوية والذات وتحولات المعنى الوجودي والنفسي في الخطاب السردي للعمل.
- إقتصاد الجملة والأداء وخفة امتلاء المفردة كعلامة واصفة في بنية وتضايف معنى الإيحاء بتجمد البشري في دلالية وأسلوبية العنوان : "رجال الثلج"
_________________________________________________________
** شاعر وكاتب يمني
*المادة أعلاه مجتزأة من دراسة له تقارب أبعاد " الصراع وتِراجيديا الاغتراب بين فضاء المكان/الواحد/المُتعدِد وتشظيات الذات والهُوية "في رواية "رجال الثلج" للقاص والروائي والشاعر/ عبد الناصر مجلي.