لوموند: انحياز ترامب الفاضح لإسرائيل يترك مساحة ضيقة جداً للفلسطينيين

2025-10-15 | منذ 3 ساعة

باري: الإصلاح الذي قاده رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض، حقق نتائج لاقت إشادة واسعة.. لكنّ هذه النجاحات لم تُترجم إلى مكاسب دبلوماسية بسبب غياب أي ضغط حقيقي على اسرائيل (أ ف ب) قال كاتب الافتتاحيات في صحيفة “لوموند” الفرنسية، جيل باري، في عمود رأيه، إنّ الانحياز الفاضح للرئيس الأمريكي والدبلوماسية الأمريكية تجاه إسرائيل يترك مساحة ضيقة جدًا للفلسطينيين.

وأضاف الكاتب أنه في القمة التي عُقدت في شرم الشيخ، في 13 أكتوبر، والمخصصة لتمجيده، واجه دونالد ترامب واقعًا من وقائع الشرق الأوسط لم يكن على اتصال مباشر به منذ زيارته إلى بيت لحم، في مايو 2017، في بداية ولايته الأولى. غير أن هذا الواقع كان مجسدًا في شخصية واحدة فريدة: رئيس سلطة فلسطينية شبه ميتة، محمود عباس، البالغ من العمر نحو تسعين عامًا، والذي حُرم من تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة قبل شهر بمناسبة انعقاد الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة في نيويورك. رجل من الماضي، وسيبقى فيه، بعدما أصبح رمزًا ليأس شعبه.

لذلك- يتابع جيل باري- فإنّ بضع الكلمات التي تبادلها الاثنان خلال جلسة التصوير المخصصة لتخليد انتصار الرئيس الأمريكي، المتوّج بتحرير الإسرائيليين المحتجزين في غزة، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، ووقف القصف على القطاع، لن تكون كافية لتعويض الوقت الضائع، ولا لإعادة التوازن إلى الانحياز الفاضح المؤيد لإسرائيل في الدبلوماسية الأمريكية، بكل إداراتها المتعاقبة، والذي ازداد تفاقمًا مع النسخة الغريبة التي يمثلها دونالد ترامب، حيث تتداخل الروابط العائلية والهوس العقاري والمصالح الجيوسياسية في تجاهل تام للمعايير، كما شهد على ذلك الخطاب المذهل الذي ألقاه في وقت سابق يوم 13 أكتوبر أمام الكنيست الإسرائيلي.

واعتبر جيل باري أن هذه العلاقة المفرطة لا تترك سوى مساحة ضئيلة جدًا للفلسطينيين. ولعل هذا ما يفسر لماذا كان دونالد ترامب، حتى وقت قريب، يتصور من دون خجل قطاع غزة خاليًا من سكانه، وهو الهدف الذي يسعى إليه أقصى اليمين الصهيوني المتطرف في إسرائيل. وقد بُرّر هذا التطهير العرقي بمشاريع عقارية ضخمة وبراقة من النوع الذي تتقنه مدن الخليج، وفق نموذج سنغافوري معقم واستبدادي.

مفارقة

ومضى الكاتب قائلًا إن الخطة التي تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة تم إعدادها دون استشارة أي مسؤول فلسطيني، كما حدث في شهر يناير عام 2020، عندما قدّم الرئيس الأمريكي خطته الأولى للسلام، التي سقطت سريعًا في طيّ النسيان.

أما المقترح الأخير، الذي يشير بدوره إلى تلك النماذج الخليجية السابقة، فقد استنسخ بعض ملامحها مع الاحتفاظ، في النهاية، بـ”الفلسطيني” كعنصر شكلي فقط- لا كشخص يتمتع بحقوقه، وأولها حقه في تقرير المصير، بل كشكل من “الإنسان الاقتصادي” المحرّك فقط برغبته في تحسين مستوى المعيشة.

لكن العقود الماضية أثبتت- وما زالت تثبت- أن الرفاه الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق دون الاعتراف أولًا بالحقوق السياسية.

خلال الأيام الأخيرة، برزت مفارقة لافتة: مبعوثا دونالد ترامب، وهما مطوران عقاريان أحدهما صهره، استغرقا وقتًا أطول في التفاوض مع الطرف الذي يُفترض أن خطتهم تستبعده بعد نزع سلاحه- أي حركة “حماس”، المسؤولة عن هجوم السابع من أكتوبر- أكثر مما استغرقوا في التحدث مع السلطة الفلسطينية.

ومع ذلك، فإن إصلاح هذه السلطة يُعد أحد الشروط التي “قد” تسمح بتحقيق تطلعات الفلسطينيين نحو الاستقلال، وفق البند 19 من خارطة الطريق.

لا شك أن الفلسطينيين يتحملون نصيبًا من المسؤولية عن مآسيهم. لكن أداء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، التي تنهشها المستوطنات الإسرائيلية، كان ذريعة لتدخل غربي، خصوصًا من الولايات المتحدة وأوروبا، يجعل من الصعب على هؤلاء أن يتقمصوا دور الواعظين.

انقلاب دموي

فالغربُ نفسه كان قد رفض نتائج الانتخابات التشريعية النموذجية التي أجراها الفلسطينيون في شهر يناير 2006، لأنها أفرزت فوزًا نزيهًا لحركة “حماس”، يُشير جيل باري. ثم دفع هؤلاء الرعاة الغربيون محمود عباس نحو المواجهة مع الحركة الإسلامية، وانتهت التجربة بانقلاب دموي لـ “حماس” في غزة، وبإقصاء حركة “فتح”، وبانقسام ما يزال ينزف حتى اليوم. ولم ينجح أيّ حراك تحرري في العالم وهو منقسم على هذا النحو، يقول الكاتب.

كما أن الفلسطينيين لا ينسون تجربة العقد الماضي: فالإصلاح الذي قاده رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض، وهو موظف دولي سابق، حقق نتائج لاقت إشادة واسعة. فقد اعتبر صندوق النقد الدولي، في عام 2011، أن السلطة الفلسطينية “أصبحت قادرة على تنفيذ السياسات الاقتصادية الرشيدة المتوقعة من دولة فلسطينية مستقبلية تعمل بكفاءة”. لكنّ هذه النجاحات لم تُترجم إلى مكاسب دبلوماسية، في وقت كان بنيامين نتنياهو ما يزال متمسكًا بمقعد رئاسة الوزراء في إسرائيل، بسبب غياب أي ضغط حقيقي على الدولة العبرية، يقول جيل باري.

وقد خلصت لجنة التنسيق، التي تضم أبرز المانحين، إلى أن الفلسطينيين “تجاوزوا عتبة الدولة الوظيفية في القطاعات الأساسية”، لكنّ ذلك ضاع سدىً، لغياب أي إرادة سياسية لدعمهم.

ولا ينسى الفلسطينيون كذلك مهزلة الانتخابات العامة، التي كان من المفترض عقدها في شهر يناير عام 2021. فقد أرجأها محمود عباس إلى أجل غير مسمى، في شهر أبريل، خشية أن تؤدي التمردات الداخلية داخل حركة “فتح” إلى إنهاء حكمه، أو أن تمنح “حماس” فرصة جديدة.

ولم تجد إدارة جو بايدن، التي ترفع شعار الدفاع عن الديمقراطية، ما يُقال في هذا الشأن. أما الأوروبيون فاكتفوا بتعبير دبلوماسي عن “خيبة الأمل”.

لقد أُنشئت السلطة الفلسطينية أصلًا لمواكبة عملية السلام التي انطلقت في أوسلو عام 1993، ولا يمكن أن يكون لها أيّ شرعية أو معنى بعد الآن في غياب تلك العملية، مهما كثرت الإصلاحات، يقول جيل باري.

 










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي