
كتب ـ عبدالحق ميفراني
"الموت منتهى الرحلة
وسفر البداية
نحول المجهول" (ص21).
...
"أحلامي الشعر فسحة" (ص60).
يقع ديوان "قميص الأشلاء" للشاعر إدريس علوش والصادر عن منشورات اتحاد كتاب المغرب بالتعاون مع دائرة الثقافة والإعلام بعجمان، في 112 صفحة، ويضم خمس قصائد، موزعة بعناية على بياض الصفحة تأخذ حيزا في الوسط لتدفعك قراءة واستقراء إلى الإنصات للشعر في أقصى درجات (الغضب).
شاعر رسَّخ تجربته منذ مدة في خريطة المشهد الشعري بالمغرب، يدفعنا إلى استلهام وهج الشعر من أشلاء الكينونة كما لم نتجرح من قبل.
1- كنعان في زغب الأقحوان.
2- زمرة الأجنة.
3- مدن تراءت.
4- شهوة الحكي.
5- قميص الأشلاء.
قصائد بمثابة بلاغات لكينونة انوجدت بخراب الأرض، تتراءى في لغة الديوان وكأنها صور لهذا العالم المشبع بالموت.
قصائد "قميص الأشلاء" ليست قصائد تحبو إلى اكتشاف دهشتها الأولى، إذ أنها صيرورة في تجربة شاعر ومنجزه الشعري. الشاعر الذي رسخ نفسه منذ البداية، أي منذ "طفله البحري" صوتا متفردا مختلفا، راديكاليا أحيانا وعبثيا أحيانا أخرى، لكنه في النهاية شاعر يبلور سمات خاصة ورؤية أكثر التزاما تجاه الكتابة الشعرية. وهو ما يفرد خصوصية لقصائد الشاعر إدريس علوش هذا الطفل "البر- بحري".
ما تبقى
من هذي الديار
غير الخراب
وأطلال
لا
يبكيها
الشعراء
قط
... (ص23).
الخراب، الموت، الغياب. لعلها أقانيم الديوان ككل، ومن خلالها تنبني عوالم قصائد "قميص الأشلاء" الشاعر إدريس علوش أقانيم توحد رؤية الشاعر تجاه العالم، الذات والقصيدة. وماذا بقي من كينونة الأشياء غير الخراب الوارف من شروخاتها، لا يتصنع الشاعر في تأطير هذه الصورة السوداوية بقدر ما يحافظ على رجة الصراخ داخله، بشكل تتحول فيه القصائد إلى نسق من مقاومة الانهيار.
ولعل هذا الوعي بالكتابة كشكل من أشكال المقاومة هو ما يجعل من اللغة في القصائد ككلٍّ تنتصر لقيم يؤمن بها الشاعر ويصارع من أجل ترسيخها كلغة لعالم كما يحلم به الشعراء.
ومع ذلك، تحضر هذه الغيمة من الخيبة والانكسار والخسارات، وهي سمة أمست مهيمنة اليوم على أجواء القصيدة المغربية الحديثة في راهن المنجز عند التجارب الجديدة، مما يجعل عنصر الغياب ضرورة دلالية قوية الحضور في قصائد "قميص الأشلاء" وتتخذ مستويات عدة، سواء كجسد مسجى يتجه إلى التراب، أو كروح تغادر الى الموت، أو كاستئناف وجود يستبق الحق في القصيدة كتجلٍّ ممكن لهذه الذات (العالمة) بتفاصيل الخراب والسابحة في فضاءات ومجازات اللغة.
قبل الموت
بلحظات
حتى لا يستوعبني التراب دون
مراسيم للدفن
قلت له: ... (ص36).
لعبة الاستباق تتكرر بشكل لافت في أسلوب صياغة الجملة الشعرية، بل حتى الإصرار على أسلوب طباعي محدد، يتوزع عبر كتل تملأ وسط الصفحة يدفعنا لتأويل مضاعف. فالعالم الذات والقصيدة هم صيغ اقتراحية تنفتح على أسئلة الكتابة الشعرية عموما. هم بمثابة "دستور" خاص بأي تجربة شعرية وأي مدخل لا يمكنه إلا أن يتمثل هذه الأقانيم الثلاث كشكل من أشكال ممكنات القراءة.
غير أن ديوان "قميص الأشلاء" بالشكل الذي تطرحه النصوص يفضي بنا إلى تمثل تجربة الشاعر ككلٍّ وقدرته على بلورة رؤاه. هو الذي خبر التجارب الشعرية الحديثة ببلاغاتها.
قصائد "قميص الأشلاء" نموذج مصغر لهذا الصد البلاغي الشعري لفعل الانهيار عبر ما تفتحه اللغة الشعرية من هوامش لا محدودة لصياغة هذا (الممكن) والذي يجعلنا في النهاية ننتصر لقيم الحياة والوجود، في أن تتحول الكينونة إلى كتلة للتعدد، لكنها كتلة تحتفظ بخصوصيتها بعيدا عن السفه.
أنخاب قيصرية تجرعت شجن الملأ حتى الاغتراب.. (ص6)
غير العمائم المولعة بقطع بظر
العذارى (ص24).
لو أني أغترب في ضفاف الديار
وأترك وجهي موشحا بهوة الحزن (ص92).
كي لا يشع هذا الاغتراب والخراب الذي أمسى يؤثث العالم، يضع الشاعر قميصا من الأشلاء على كتفيه كي يترجل من أعلى صخرة حاملا صوته بين ثنايا القصيدة: بحيرة الحياة الأبدية.
صدر للشاعر إدريس علوش:
الطفل البحري. شعر / البيضاء - دار قرطبة 1990
دفتر الموتى. شعر / البيضاء- دار قرطبة 1998
مرثية حذاء. شعر/ فاس - منشورات انفوبرانت2007
قفازات بدائية. شعر/ دمشق - دارالتكوين 2008
الطفل البحري ثانية. شعر/ دمشق – دار كنعان 2008