رواية "غطاء دروبادي" لآناندا ديفي: الصراع الداخلي بين الكرما والمشي فوق النار

2020-07-28

 رقية العلمي*

لعلّ رواية «غطاء دروبادي» للكاتبة الموريسية آناندا ديفي، التي صدرت باللغة الفرنسية عام 1993، عالمٌ من السحر الحقيقي ليس لارتباطها بالطقوس والشعوذة فقط، بل بتبيانها للاعتقادات الراسخة الموروثة والباقية في فكر الإنسان، التي لا يتخلى عنها، لذلك يتوجب ممارستها حتى لو كان المشي فوق النار، لتكفير الخطايا والذنوب.

تدور أحداث رواية «غطاء دروبادي» في جزيرة موريس (موريشيوس)، وتحكي قصة عائلة موريسية مكونة من 3 أفراد، الأب ديف والأم أنجالي والطفل وين المعتلّ بداء السحايا. تواجه الأم صراعاتٍ عدة بسبب تواجدها الدائم في أروقة المستشفيات والعيادات، ومراجعة الأطباء، تزعجها ضوضاء المرضى وأصوات الممرضات، يتخلل كل ذلك اقتراحات ممن حولها بترك العلاجات الطبية والتوجه إلى الروحانيات والسحر لعلاج الطفل المعلول. صحة الطفل وين في تراجع فهو المتعب والمحموم والضعيف، المرتجف في أغلب الأحيان، ورغم أنه في شبه غيبوبة، لكنّ حبها للطفل يجعلها تحسه كما أنه يحسها. جلوسها المطول بجانب سرير الطفل لأيام وساعات، يفسح المجال لأنجالي بمراجعة وتقييم علاقتها مع ديف، من بدايات تعارفهما ليتزوجها بعد ذلك: «كان ديف زوج عادي، تبلورت شخصيته السلبية، وطرأ هناك تغيير سلبي على هذه العلاقة بعد ولادة طفلنا وين!

استعاد ديف وجهه كرجل اعتيادي، ولم يعد الرمز الشمسي الذي تخيلت أنني تزوجتُه». مع الانتكاسات الصحية المتكررة التي يتعرض لها الطفل، بدأ ديف بتحميل أنجالي الذنب لمرض الطفل: «كُنت المسؤولة عن حياة ومرض الطفل، كما كنتُ المذنبة في مرضه».

تتغير الأشياء عندما يطلب ديف من أنجالي – بعد أن أصبحت حياة وين مهددة – تقديم أضحية من أجل الطفل، لكي ينقذه من المرض، وهو المشي فوق النار. «غطاء دروبادي» حسب معتقدات الطقوس الهندوسية «إخوة المراكب»: مجموعة من الهنود حلوا واستوطنوا في جزيرة موريس، وجلبوا معهم إليها معتقداتٍ وقيماً وعلاقاتٍ وغيرها.. وهذه أصول حياة عائلة الزوج ديفي، إذ هو ينتسب لهذا التاريخ. «إنّ التقاليد والطقوس تجعلهم يحصلون على شفاء المرضى عن طريق السير إلى الطرق التي يعبرها القديسون الورعون»!

تتردد أنجالي في المشي في الدرب الحارق، كونها مستقلة ورافضة الانصياع لهذه الطقوس، التي لا تؤمن بها، فيتفاقم الصراع بينها وبين نفسها من جهة، وبين الضغوطات من الزوج وأهله والكاهن الهندوسي، إذ يقول لها: «عندما ترفض الأم تقديم الأضاحي من أجل شفاء ولدها ليست أما». عمل الزوج على مسألة تأنيب ضميرها وتحميلها الذنب لعدم شفاء الطفل ليصل الأمر إلى التهديد: «لو مات الولد، فسيكون ذلك من جراء اعتقاداتك أنتِ. ستكون غلطتك، يا أنجالي، بسبب رفضك تقديم الأضحية. إن مات وين، فسيكون في إمكانك الذهاب إلى الجحيم، فأنا لن أحتفظ بكِ».

رواية «غطاء دروبادي» مشارط وأبر ومهدئات وأمصال، تبقى أنجالي في الصراع الذي يدور في داخلها، وهي في انتظار هبة ما من السماء ربما، قد تشفي الطفل، على الرغم من أن الأطباء لا يقرون بالمعجزات وهدايا القدر، ولا يؤمنون بالخوارق، ولكن إن قالوا لك يجب عليك الصلاة من أجل مريضكم، أعلم بأن أمل شفاء المريض أصبح معدوماً. إنها السماء البيضاء وضجيج المدن والجزر الرملية في بور لويس.. رمل وملح البحر وصوت الطبل الآتي من الدروب البعيدة، كما أنهنّ النسوة أقرباء ديف يعالجن الطفل المريض بالسحر. تلجأ أنجالي إلى أمها تلك التي مارست جميع الطقوس أثناء مرض أخو أنجلي، ممارساتٌ ما غيّرت شيئاً من مجريات الأقدار، وما جنت سوى الخوف من قرع الطبول والسحرة والشعوذة والكوابيس الليلية.

– «يا أمي، لم يعد بمقدوري الاستعانة بأيّ حلٍّ آخر، سأقوم بالتضحية من أجل وين»

– «أي تضحية؟ ماذا تريدين أن تفعلي؟

– «أعتقدُ أنني. سأمشي فوق النار».

– «ما هذا، ما تعني هذه، التضحية؟»

– «أأنتِ مسؤولة عن مرض ابنك؟ أعليكِ أن تُكفري عنه؟ أقرأتِ في مكان ما، في كتاب مقدس، أنّ عليكِ أن تموتي لكي يفوز بحياته في المقابل؟ ما الضمانة بأنكِ ستنجحين في مسعاكِ، وأنّه سيكون هناك أحد، في مكان ما، يستمع إليكِ؟ قولي لي، أجيبيني!»

– «يا أمي، أنا لا أعرف، أنا مستعدة للقيام بأيّ شيءٍ من أجل ابني، عليّ أن أسعى»

تدور أحداث الرواية بين بيتها والعيادة وبيت أهلها، وتنقل القارئ إلى أجواء الأساطير الهندية القديمة، والبيئة الجغرافية والمناخية والنباتية للجزيرة، وقرية صغيرة، فيها شمسٌ وعطورٌ وشدو عصافير، وأشجار الموز والباباي والمانغا وبتلات الورد المتسللة وخرير الماء وروائحُ الأرض، وأخلاطُ النعناع والزعتر والكزبرة والكافور، كما أنّها النار ودق الطبول والمشي لساعات لغسل الذنوب والسباحة في النهر.

هي روايةٌ قدريةٌ مستقاةٌ من التقاليد الهندوسية المؤمنة بما يسمى «الكَرما» البشر يعيشون في دورة، فيتقمصون ويتناسخون في كائنات غيرهم، وفي ظروف زمنية متغيرة تتكفل بها جماعات فاعلة في المجتمع، وتنظمها طقوس متناقلة ومجربة، ويحرسها كهنة مندوبون لمتابعة عمل الدورة. وهنا نرى بأنّ كلام زوجها وتهديده لها وإقناعها بأنّ السبب في موت الطفل سيكون بسبب عدم تقديمها للأضحية يرجع مثل الصدى إلى ضميرها، فأخذت تقتنع شيئاً فشيئاً بتنفيذ ذلك. تحسم نهاية هذا الصراع والدة ديف:

«تعالي يا أنجالي، إجلسي، لنا ما نقوله بيننا. يا عزيزتي، ابنكِ في خطر». بقيت آنية الحقيقة المتوارثة من الأزمان الماضية تدق على رأسها لتعلن قائلةً: «أنا مستعدة. ماذا تنتظرون مني؟»

«نريد أن تمشي فوق النار!»

حولها أصوات:

«سترَين أنّها عملية بسيطة، لن تتألمي قط، أتركي نفسك، عليكِ أن يحملك إيمانك، أن يغزوك.. سنكون هنا، سنساعدك، لن تشعري أبداً بأنّك وحيدة، هذا وعد، كل شيء سيمضي بخير، حتى بالنسبة إلى وين، سترَين، سترَين».

تنظر إلى ديف وفيه الانتشاء، ويهمس لها: «شكراً»

فتقول والجميع من حولها ديف وأهله: «ما عدت أفهم معنى الأشياء».

إلى هنا تنتهي الرواية وما تُعلمنا إن كانت فعلاً قد مشت على غطاء دروبادي؛ وماذا كان مصير الطفل وين… هل مات أم شفي أم ما زال يصارع المرض؟

صدرت الترجمة لرواية «غطاء دروبادي» عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت ضمن سلسلة إبداعات عالمية عدد 428 في ديسمبر/كانون الثاني 2018. وقام بترجمة الرواية من الفرنسية للعربية المترجم والأديب اللبناني شربل داغر. وهذه تجربته الثانية في الترجمة للكاتبة نفسها، وفي السلسلة نفسها: «الرجال الذين يحادثونني» عام 2014.

وقامت بالتحرير والمراجعة كاميليا صبحي أستاذة اللغات في كلية الألسن في جامعة عين شمس.

الكاتبة آناندا ديفي من مواليد 1957، نشرت عملها الأدبي الأول وهي في التاسعة عشرة من عمرها، ولها أكثر من خمسة عشر عملاً أدبياً.

 

  • كاتبة فلسطينية






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي