كارلوس ثافون : كاتب شيّد عالما فانتازيا في أفكاره وواقعيا في محتواه

2020-07-18

الكاتب الروائي الإسباني كارلوس رويث ثافوند.محمد منصور الهدوي *

 

فقد العالم مؤخرا الكاتب الروائي الإسباني كارلوس رويث ثافون متأثراً بمرض السرطان الذي أصابه في الأعوام الأخيرة عن 55 عاماً في مقر إقامته في لوس أنجلس في الولايات المتحدة . الروائي الذي ترجمت 4 روايات له وأهمها "ظل الريح" المترجمة إلى اللغة العربية وأصبح بفضلها من أشهر الكتاب الأجانب المعاصرين شهرة وكتابة عن منجزه الروائي من قبل النقد والكتاب العرب، بحيث يعتبر أن ما كتب عنه وعن تجربته أكثر مما كتب ويكتب عنه بالإسبانية.
ثافون أديبٌ وروائيّ إسباني شهير، كارلوس رويث ثافون ولدَ في برشلونة عام 1964م، وتلقى تعليمه في مؤسسة دينية وتخرّج بشهادة في الاتصالات، وهو عمل للمرة الأولى في مجال الإعلانات قبل نشر روايته الأولى قبل حوالى 30 عاما. بدأ مسيرتَه الأدبيّة في عام 1993م عندما كتبَ أولى رواياتِه للناشئين بعنوان أمير الضباب التي حازت على جائزة Edebé الأدبيّة لروايات الناشئين والأطفال، وألَّف بعدها عدَّة روايات من النوع نفسه وهي: رواية قصر منتصف الليل عام 1994م، رواية أضواء سبتمبر عام 1995م، رواية مارينا عام 1999م، ومنذُ عام 2001م انتقل لكتابة روايات الكبار وأطلق رباعية بعنوان مقبرة الكتب المنسية وأصدر منها حتى الآن ثلاثة أجزاء: ظل الريح، لعبة الملاك، سجين الجنة.
رحل ثافون بعد أن خلَّد تراثًا مهمًّا في جنس الرواية، وبعد أن تُرْجِمَتْ روايته لعشرات اللغات، وبيع منها الملايين من النسخ، وبعد أن صُنّفت رواياته بالرغم من حداثة سنه بعد «دون كيخوته» و«دون كيشوت». رحل الروائي الإسباني بعد أن نظر النقّاد الإسبان إلى أعماله وصنفوها مع كتابة خابير مارياس. ولامياس، ولابيلا ماتياس، وباقي الكتَّاب والروائيَّين الكبار.


سردية تتمازج من الأدب الرفيع والقوطي


كانت لعبة ثافون السردية مزيجًا من الأدب الرفيع والأدب القوطي، وفيما كان يستلهم الكتب كرمز ثقافي من ناحية وذريعة سردية من ناحية أخرى ليعيد قراءة تاريخ برشلونة، مدينته، كان يعتمد على التشويق والحبكة البوليسية، ليشيد عالمه الخاص، وهو عالم فانتازي في أفكاره وواقعي في محتواه، يسلط الضوء على برشلونة الحرب الأهلية والفرانكوية ليحكي حيوات أناس عانوا من الديكتاتورية وحكم الحديد والنار. لكن ثافون لا يبني عمله على الحكاية الكبرى، بمصطلح ليوتار، إنما يذهب إلى ما هو فردي وهامشي وشخصي ليبني رؤيته الكاملة عن المرحلة التاريخية عبر حكايات صغيرة ستُشيد من تلقاء نفسها، مستلهمًا تكنيك ألف ليلة وليلة، التي سبقه إليها بورخس، ليكون الكاتب الأرجنتيني إحدى مرجعياته.
في النسخة الجديدة من الرواية الثقافية التي كتبها ثافون، كما كتبها ريكاردو بيجليا وكذلك روبرتو بولانيو، يؤسس الكاتب الكتالوني للسلاسة في الحكي والتخلي عن المجاز والزخرفة اللغوية، منتصرًا للغة أقرب للحكي الشفاهي. تنطلق "ظل الريح"، أفضل تمثيل لتوجهه الأدبي ولتصوره الجمالي، يبدو مدخل الرواية تناصًا مع رواية "مئة عام من العزلة" حين يحمل الأب الابن ليتعرف على الثلج للمرة الأولى. تلتقي الروايتان في الرحلة القصيرة التي بعدها تتغير حياة الأبطال، طريقة تشبه طريقة الطائر حين يعلم صغيره الطيران، ثم يطلقه ليتعرف على العالم بمفرده. وفي رحلة "دانييل" الطفل في مقبرة الكتب المنسية تتولد رواية أخرى هي الكتاب نفسه الذي اختاره، وحكاية كاتبه، لينكشف من وراء الكتاب تاريخ برشلونة المختبئ، كأن الكتاب لم يكن إلا نافذة مفتوحة على أسرار، كما في "اسم الوردة" لأمبرتو إيكو، فكل سر يقود إلى آخر، بداية من الأب الذي يطلب من الابن وعدًا بألا يخبر أحدًا بما سيراه، لتكون الرواية محض أبواب تفتح على أبواب، طرق تؤدي إلى طرق، وفي الأثناء تتشيد الحكاية الكبرى وتكتمل اللوحة.


خريطة ثقافية لبرشلونة


في الخريطة الثقافية الإسبانية لن نجد ذكرًا لافتًا لكارلوس رويث ثافون، إذ صنّفته الصفحات الثقافية بالصحف ككاتب بيست سيلر، ولم تتناوله الدراسات النقدية بجدية تليق باتساع رقعة قرائه ومبيعاته، بل لن يشفع له البعد التاريخي والثقافي في أعماله ليعتبره النقاد من قامات الأدب المكتوب بالإسبانية مثل خوان خوسيه مياس أو بيلا ماتاس أو خابيير مارياس أو من الأجيال التالية مثل أجوستين فرنانديث مايو أو خورجى جاريون أو سيرخيو دل مولينو أو إلبيرا نبارو وأندريس باربا. للخريطة الأدبية في إسبانيا شروطها القاسية، من حق الجميع أن يكتب ما دام له قراء، بالطبع، في موهبة ثافون، لكن الأصالة التي ينتظرها النقاد لم يتمتع بها، كانت أعماله خليطًا من أعمال آخرين، من بورخس وماركيز وإيكو، وأفكاره إعادة إنتاج.
لكن الحقيقة أن ثافون، بعيدًا عن إسبانيا، صنع مجدًا لا يمكن تجاهله: صنع خريطة ثقافية لبرشلونة يمكن من خلالها التجوال في المدينة وفي أماكنها الثقافية ومكتباتها بحيث تغدو جولة سياحية، إنها تعريف جديد للمدينة، اكتشاف من خلال عين ابنها المغترب، واتباع لخطوط حنينه. منذ أوائل التسعينيات، اختار ثافون أن يعيش في لوس أنجلوس، بعد أن فاز بجائزة إديبى لأدب الفتيان برواية "أمير الضباب"، ليكون قريبًا من السينما التي أحبها، وهناك حصل على منحة لكتابة السيناريو السينمائي سمحت له بالبقاء من عام 94، وهناك شاهد للمرة الأولى المكتبات المهجورة، ما ألهمه فكرة "مقبرة الكتب المنسية"، فنقلها إلى مدينته عبر الخيال ليمنح لبرشلونة في الواقع، كما منح للكتاب في الرواية، حياة جديدة.


عن رواية ظل الريح لكارلوس ثافون


تدور أحداث رواية ظل الريح في أسبانيا في خمسينيات القرن العشرين وتتناول قصة طفل ياخذه والده الى مكان قديم يطلق عليه اسم مقبرة الكتب المنسية ويحذِره من إفشاء هذا السر فيجب عليه ألا يخبر احدا بوجود هذا المكان ويخبر الطفل ابن العاشرة انَ هذه المقبرة مخصصة لحفظ جميع الكتب التي لا أحد يريد أن يقراها فكانت من نصيب النسيان فيرى فيها كتبا في مواضيع شتى كالاقتصاد والسياسة وهي عناوين لا تثير إعجاب أحد.
فيجد الطفل كتابا عبارة عن رواية بعنوان ظل الريح لكاتب غير معروف ولم يسمع باسمه أي شخص فيحاول دانيال أن ياخذ الكتاب فيقول له والده أن الكتاب الذي يقع اختياره عليه يجب عليه ان يحتفظ به إلى الأبد ،ولا يعيده الى المقبرة فيقبل الطفل بذلك فيحتفظ بالرواية ويقرأها ويغوص في عالم آخر هو عالم الكاتب ويبدأ بالبحث عن بقية رواياته كي يقرأها، وهنا تبدأ الحكايات بالتوالد من بعضها البعض وتتقاطع الأحداث زمنيًا بشكل يشدُ القارئ أكثر وأكثر وتنبثق حكايات أخرى بشخصيات مشابهة وأحداث مشابهة وهكذا والرواية بذلك تشبه دمية الماتريوشكا وهي دمية من الخشب في التقاليد الروسية عبارة عن امراة ترتدي لباسا ريفيًا داخلها دمية بالشكل نفسه وأصغر منها والأصغر تحتوي دمية اصغر وهكذا وكذلك الرواية تنفتح على عوالم ضمن عوالم وحكايات ضمن حكايات الى نهاية الرواية.


تحدث ثافون في رواية ظل الريح عن البشر بمختلف أنواعهم وأطباعهم من حيث أنهم المحرك الأساسي لأحداث القصة والعمق الانساني فيهم هو ما يصنع دراما الرواية ذاتها وبالرغم من أنَ كارلوس ثافون كتب رواية من النوع التشويقي وجعل لها خلفية درامية غير أنه تطرَق الى الحديث عن الاوضاع المتردية في تلك الحقية التي دارت فيها أحداث الرواية خلال الحرب الأهلية الاسبانية فكتب رواية بالغة التعقيد ورائعة في الوقت ذاته.
اعتقد ثافون بأن الوسط الأدبي مبني على أساس الاحتياج والمصالح الشخصية وليس على أسس المتعة بداخله، كما صرح في حوار قديم لجريدة "الباييس" الإسبانية، ما لم يجذبه فيه وفضّل البقاء على هامشه.
عاش ثافون ما يقرب من نصف حياته في الولايات المتحدة، وباستثناء "أمير الضباب"، كتب كل أعماله، أهمها رباعية "مقبرة الكتب المنسية" (ترجمها معاوية عبد المجيد للعربية لدار الجمل)، في أميركا الشمالية. ورغم زياراته المتعددة لإسبانيا، وشعوره بالانتماء لبرشلونة بالتحديد، إلا أنه كان يتجنب الاتصال أو الظهور في الأوساط الأدبية. وفي "لعبة الملاك" يوجه انتقادًا لاذعًا للعالم الأدبي.

 

* أكاديمي وباحث من الهند










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي