لمَ لا تُلغى الجوائز الأدبية؟

2020-07-08

الكاتب العربي يبقى مجهولا بعد الجائزة (لوحة للفنان عمر نصيرات)

فاروق يوسف*

تزايد عدد الجوائز الأدبية في العالم العربي، وإن كان أغلبها مخصصا للرواية، فإن ما يشوبها أكثر، علاوة على عدم الاتزان، هو اكتفاؤها بالتتويج المادي للكتاب الفائزين. كما أن هناك محاولات من الجوائز لترجمة أعمال هؤلاء الكتاب ولكن يبقى ذلك منقوصا، فلا نجد من بين هذه الجوائز من تراهن على القارئ العربي وتوسع من دائرة قراءة الكاتب الفائز الذي من المفروض أن يكون هو الرهان الأول.

“عشرة قراء سعداء. ذلك ما يحلم به كل كاتب” هل قال الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو تلك الجملة؟ ربما. لقد بدا حينها متفائلا. فالكاتب يكتب ليُسعد قراءه. وهو يشعر بالسعادة إذا ما أقبل القراء على كتبه.

كان إيكو متواضعا في جملته غير أنه كان جادا في الوقت نفسه. لقد قرأ مئات الآلاف من البشر رواياته بدءا من روايته الأولى “اسم الوردة”. غير أنه عرف كيف يكون سعيدا من خلال قلة من أولئك القراء. تلك القلة وهبته الاسترسال في حلمه باعتباره كاتبا يسعى إلى البحث عن المعنى العميق للسعادة.

المال والشهرة

هناك من يكتب من أجل أن ينال جائزة. فالجائزة من وجهة نظره هي الطريق الأكثر يسرا للوصول إلى الشهرة التي تفتح أمامه أبواب السوق التي تقدم كتبه إلى أكبر عدد من القراء.

لا أحد يفكر بالمال المباشر. باستثناء جائزة نوبل فإن الجوائز الأدبية العالمية في معظمها لا تهب الفائز أموالا بل تفتح الطريق أمامه للوصول إلى نوع من القراء يصدق ما تقوله المؤسسات الأكاديمية المشرفة على الجوائز.

بهذا المعنى فإن الجائزة تعني مزيدا من الطبعات والقراء ومن ثم الثروة والتفرغ.

لا يصدّق الكتاب العرب أن هناك جوائز أدبية شهيرة لا تتجاوز قيمتها دولارا واحدا. غير أنها تحتل مكانة مهمة على مستوى ما تجلبه من علو شأن وقيمة أدبية ومن شهرة وانتشار.

في المقابل هناك في عالمنا العربي جوائز أدبية تصل قيمتها إلى المليون ريال من غير أن يحقق الحائز عليها شهرة أو يزداد عدد قرائه أو يتخطى كتابه عتبة التغطية الصحفية السريعة.

أمبرتو إيكو، هيرتا مولر، أورهان باموق كتاب عالميون رهانهم القراء والانتشار لا القيمة المادية للجوائز

لقد فازت روايات عربية بجوائز أدبية لم تجذب أو تخلق قراء جددا.

وبسبب القيمة المادية لتلك الجوائز فقد أصيب الأدباء العرب بـ”لوثة الرواية”. كثرت الروايات من غير أن يكثر عدد القراء. حتى الروايات الفائزة بجوائز أدبية فإن تداولها بين عدد محدود من المهتمين والمتابعين يكون مرتبطا بالمناسبة التي حين تنتهي يختفي الاهتمام بتلك الروايات.

إنه نوع من الاحتفال الذي لا يترك أثرا.

لا أحد يتذكر أسماء الكتاب الفائزين بجائزة كتارا وعناوين رواياتهم.

أفاجأ حين البحث في “غوغل” أن كاتبة ما قد فازت قبل سنتين أو ثلاث بجائزة تبلغ قيمتها ربع مليون دولار من غير أن تحقق شهرة أو يزداد عدد النسخ المطبوعة من كتبها. ما معنى ذلك؟

واجب الجوائز

لم تكن الرومانية هيرتا مولر شهيرة خارج إطار اللغة الألمانية. غير أنها بسبب نوبل صارت معروفة عبر لغات الأرض فتعرّف القراء من خلالها على أدب من طراز رفيع.

لقد اكتشفتها الأكاديمية السويدية وقدمتها إلى العالم.

قبلها لم تكن مولر كاتبة عالمية. ذلك طريق فتحته الجائزة أمام التركي أورهان باموق الذي يمكن اعتباره كاتبا عاديا لولا نوبل.

هناك خطأ يقع في مكان ما في ما يتعلق بالجوائز الأدبية العربية. فالمعادلة غريبة حقا. مبالغ مرتفعة تقابلها مكانة أدبية منخفضة. كما لو أن المقصود من تلك الجوائز تقديم منح مالية للكتاب. وفي ذلك تزوير للحقيقة.

  واجب الجوائز الأدبية يرتكز على مبدأ اكتشاف روايات حقيقية ليزداد من خلالها عدد القراء ما يعني المزيد من الطبعات لأن الكتاب يحتاجون إلى ذلك

ربما كان على المشرفين على تلك الجوائز أن يميزوا بين حاجة الكتاب وحاجة القراء. وهم في ذلك إنما يرتكبون إثما عظيما. ذلك لأن الكتاب يحتاجون إلى قراء أكثر فيما القراء يحتاجون إلى كتاب أهم. تلك معادلة ليست قائمة في ظل منافسات صارت أشبه بركض الماراثون. مَن يصل أولا هو الرابح. كثرت الروايات المكتوبة وقل عدد قرائها.

ولكن من يفكر بعدد القراء؟

أعتقد أن واجب الجوائز ينبغي أن يرتكز على مبدأ اكتشاف روايات حقيقية ليزداد من خلالها عدد القراء. وهي في ذلك مسؤولة عن مراقبة السوق ومعرفة قيمة الدور الذي تلعبه في الحياة الثقافية. إن بقي كل شيء في حدود المتاح فلا معنى لوجود الجوائز.

في إمكان المؤسسات الراعية لتلك الجوائز أن تستبدلها بمنح وهبات تُقدم إلى الكتاب من غير الحاجة إلى إجراءات واحتفالات تكلف إقامتها مبالغ هي أضعاف ما يحصل عليه الفائزون من مبالغ.

  • كاتب عراقي






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي