«عيون الثعالب» لليلى الأحيدب : رواية تعالج الإشكالية الواقع الثقافي وتكشف الخطاب الذكوري

2020-05-21

علاء الدين محمد الهدوي فوتنزي


بعد مسيرة حافلة بالعطاء ولائحة طويلة من النتاج الأدبي في عالم الكتابة الصحفية والإبداعية، رست قوارب ليلى الأحيدب على شاطئ الرواية الزاخر، وهي بذلك، إنما تثبت أنها أحد المبدعين الذين بنوا مداميك تجاربهم بعرق الصبر وحرقة القلم والمعاناة والتحمل والحكمة، عندما كتبت ليلى روايتها "عيون الثعالب"، لم تكن تعلم على الأرجح، أنها بذلك تفتح صفحة جديدة في عالم السرد الروائي المحلي، وأنها تكتب تاريخا جديدا لتجربتها الثرية والوطنية في عالم الإبداع، ارتكزت الأحيدب في كتاباتها على المعالجة النصية والــتــنــاول الحكيم لكل مــن العبث والــمــعــانــاة، والأمــل والــتــلــذذ بـــالأحـــلام، والارتــــكــــان إلــى الصمت والسكون، والتساؤل الفلسفي والاغتراب الذاتي والمكاني، والهروب والعنف، والــقــســوة والإبــــداع، والفن والــمــوت، والــقــلــق والــنــفــي، والهجرة والطبيعة، والحزن والحيرة، والتفرد وطرح أسئلة الــذات والذاكرة، والثورة على الحياة والواقع الموبوء.
أما رواية ( عيون الثعالب ) فهي عملها القصصي الثاني ، وهذا العمل لم يصدر إلا بعد مرور اثني عشر عاما على صدور مجوعتها القصصية الأولى، وتتطرق أحداث الرواية في ثمانينيات القرن الماضي، أي في الحقبة التي بدأت مؤلفتها النشر فيها، وهي الحقبة التي دخلت فيها أفكار الحداثة عالم الأدب في السعودية وظهر خلالها شعراء وقصاصون ونقاد يؤمنون بهذه الأفكار، ويسعون إلى تحديث الأدب السعودي ضمن نزوع عام إلى تحديث المجتمع السعودي نفسه، ومنهم ليلى الأحيدب.
ليلى أديبة متنوعة المواهب، مثل شجرة تنبت كــرزا وبرتقالا وعنبا وتــمــرا في آن واحد، فهي مثقفة وموهوبة وصاحبة رؤيا، تصدر كتاباتها عن نفس مشمسة وقـّـادة، وعــن شفافية حــزن يضاهي ألــم الـــوردة لحظة مشاهدة المنجل الذي سيقطعها، لذلك أحــاول في مقالي هذا تسليط الضوء إلى روايتها الموسومة بـ "عيون الثعالب" التي تعالج الإشكالية الواقع الثقافي العربي وخصوصيته، والتحديات التي تواجهها المرأة العربية في مجتمع ذكوري.


ليلى الأحيدب؛ قبس من حياتها
ولدت ليلى الأحيدب عام 1965م في منطقة الأحساء ، تفوقت ككاتبة وروائية ســعــوديــة، وهــي مــن الكاتبات الملتزمات بكتابة الرواية والقصة القصيرة، وكانت عضوة في مجلس إدارة النادي عام 2011م شغلت منصب مديرة إدارة الإعلام التربوي بتعليم الرياض منذ عام 2000 م وحتى 2015م، نشرت أول مجموعة قصصية عام 1997م، وتُرجمت أعمالها القصصية للغة الإنجليزية في كتاب (Beyond the dunes) ضمن مشروع (موسوعة الأدب السعودي)، وترجمت قصصها إلى اللغة الإيطالية ضمن كتاب (زهور عربية) لإيزابيلا كامرا، وفي عام 2009م نشرت روايتها الأولى (عيون الثعالب)، والتي تناولها عدد من النقاد السعوديين وغيرهم، وكانت تكتب على مدى 18 عامًا في مجلة اليمامة، في زاوية أسبوعية بعنوان (تحولات امرأة نهرية) ومن مؤلفاتها:البحث عن يوم سابع، مجموعة قصصية (1997) فتاة النص، مجموعة قصصية (2011) جنات صغيرة (2015).


الخطاب الذكوري في الرواية


تعالج الكاتبة السعودية ليلى الأحيدب في روايتها الجديدة عيون الثعالب إشكالية الواقع الثقافي العربي والتحديات التي تواجهها المرأة العربية في مجتمع ذكوري، بأسلوب روائي جري دون ابتذال وبلغة فصحي وجملة بسيطة ومباشرة، وذلك من خلال قصة فتاة جامعية متحررة هي مريم التي تعيش حياة تغبطها عليها زميلاتها، خرجت من بيئتها المحافظة، أقامت علاقات، وأجبرت من تحب على الزواج منها وتحدت المجتمع الذكوري وأغضبت أهلها وانزوت عن شلتها الجامعية.
ومن خلال الرواية تسعى الكاتبة إلى كشف الحقائق من واقع العلاقات التي كانت سائدة بين أدباء الحداثة السعوديين من ذكور وإناث، فهي كما صورتها علاقات غير طبيعية ولا موضوعية ، علاقات نفعية غير نظيفة ، فالأدباء الحداثيون الذكور ينظرون إلى الأديبات الحداثيات المتطلعات إلى البروز والشهرة بعيون الثعالب ، لأنهن في نظرهم إناث قبل كل شيء ، وعليهن أن يدفعن من أنوثتهن ثمن الاهتمام بنصوصهن ونشرها في الصحف والمجلات وإبرازها عند النشر ثم نقدها والثناء عليها ، وكن بالمقابل يتهافتن على ذلك ولا يتورعن استخدام أنوثتهن لدفع هذا الثمن ، وتقديمه من أجسادهن إن لزم الأمر.

 

علاء الدين محمد الهدوي فوتنزي
وتقدم لنا الرواية نماذج من هؤلاء وهؤلاء ، وتكشف عن كيفية استدراج الإناث إلى الشراك التي ينصبها لهن فرسان الحداثة في لقاءات يفترض أنها لقاءات أدبية بريئة ونظيفة ، لقاءات للتحاور وتبادل الآراء وقراءة النصوص ونقدها ، ولكنها في الواقع كانت فضاءات يلتقون فيها ، ذكوراً وإناثاً ، بعيداً عن العيون ، ليحاول خلالها كل فرد منهم الحصول على مبتغاه.
ويحيلنا اختيار العنوان في صيغة الجمع إلى مجموعة من النماذج البشرية، تشترك في ثعلبيتها أو في كون الثعلب رمزاً دالاً عليها،وثمة أمران جوهريان في «شخصية الثعلب» ينعكسان على معظم شخصيات النص، وهما: قصر العمر (أو التجربة)، والانتهازية، فالثعلب حيوان آكل للنبات والحيوان على السواء، أي نهاز فرص، وهو ما يتردد صداه في النص كثيراً: «كل المثقفين نصوص رديئة، نصوص مستهلكة ومليئة بالثقوب، نصوص مستذئبة! يبقى المثقف مثقفاً محترماً حتى يقتنص الأنثى بداخلك، عندها يتحول لذكر يفتض كل بكارات روحك، مزهواً بنفسه».
ومن اللافت لنظر أن نص الرواية لم يدن القمع الاجتماعي مثلما أدان الشلة الحداثية، فليس فيه سوى إلماحات خجولة ، وعابرة ، إلى وجود هذا القمع ، بينما كان هو السبب في انطواء هذه الشلة على نفسها ، وانسحابها من الفضاءات المفتوحة إلى اجتماعات ضيقة ومغلقة وموبوءة ، واضطرار الفتيات الموهوبات إلى التسلل إلى هذه الاجتماعات والتشبث بهذا أو ذاك من فرسان الحداثة بحثاً عن فرص النشر والظهور والانتشار، فلولا وجود هذا القمع لأمكن نشوء علاقات طبيعية بين ذكور الحداثيين وإناثهم ، علاقات لا غبار عليها ، أو عليها القليل القليل من الغبار .
وثمة ثلاثة مداخل جديرة بالاعتبار في قراءة وتفكيك "عيون الثعالب" الأول: سوسيولوجي، يظهر طبيعة الصراع المجتمعي المعقد، ما بين الحداثة وما تنادي به من قيم العقل والحرية الفردية، وما يعيشه أتباعها من حياة بوهيمية وفوضوية وأنانية وبين «الأصولية» أو التقليدية بتكريسها لقيم السمع والطاعة والنقل، وهيمنة الديني على كل صيغ الوجود.
الثاني: نسوي، فنحن أمام تصوير وتفكيك ثقافي للمجتمع السعودي من منظور نسوي، فالبطلة هي نفسها الراوية بضمير الأنا، ويمكن أن نعتبرها مرآة شديدة الحساسية لكاتبة تنتمي إلى الواقع ذاته، بعيداً عن سذاجة الطرح بضرورة التماهي بين الكاتبة والبطلة.
الثالث: أقرب إلى النقد الثقافي، فالرواية تقدم تحليلاً واعياً للاتجاهات الثقافية المهيمنة على المجتمع خصوصاً الديني والحداثي، وصراعهما باهظ الثمن سواء في وسائل الإعلام أو بين فئات المجتمع، وتأثيرهما الفادح على الشخصيات، وهذا هو المستوى الأعمق وراء الإطار العاطفي للرواية.


اللغة في الرواية؛ لغة حديثة وانسيابية
تمتلك ليلى الأحيدب لغة سردية سلسة ، فلغتها وهي شفيعها الوحيد ، لغة حديثة وجميلة ومنوعة وانسيابية ، تكثر فيها المجازات والإيحاءات ، وحواراتها على ما فيها من تكرار لفظي تشحن القارئ بالتوقعات وتشجعه على انتظار ما سيحدث بعد حين، فيمضي في قراءتها دون إحساس بالملل ويبقى أن أقول:إن هذه الرواية تستحق القراءة لأسباب أهمها أنها تعطينا فكرة عامة، واقعية أو قريبة من الواقع عن البيئة الحداثية السعودية في مرحلة معينة من تاريخ البلاد.
وفي نهاية المطاف أقول إن ليلى الأحيدب منحت هذه الرواية صوتا وفعلا ووجودا جديدا، خاليا من الإفتعال والارتجال، مرتكزا إلى تجربة سردية مهمة انتهت نهايتها الطبيعية في عالم الرواية بعد أن كانت إحدى رواد السرد القصصي المحلي والكتابة الصحفية والإبداعية، وقد استحقت ليلى بجدارة المكانة الأدبية التي وصلتها.

 

*عضو الرابطة القلمية الهندية

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي