
محمد عبد الرحيم
أعلن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة عن فوز كل من روايتي «أولاد الناس.. ثلاثية المماليك» للمصرية ريم بسيوني، و«كتاب الرّدة» للموريتاني محمد عبد اللطيف، بجائزة نجيب محفوظ للرواية العربية هذا العام.
وتعد الجائزة التي تم استئنافها منذ عام 2017 من أهم الجوائز المصرية التي تُعطى لأفضل الروايات المصرية والعربية الصادرة في العامين الأخيرين. مع اختلاف وجهات النظر في معيار ومُسمى (الرواية الأفضل)، فهل يرجع ذلك إلى التناول النقدي، أم تناول الصحف؟ أم إلى الدعاية والتسويق للعمل الروائي من قِبل دار النشر أو صاحب العمل نفسه؟ كلها أسئلة يتم طرحها عند إعلان نتائج أي مسابقة خاصة بالأدب عموماً، والرواية بوجه خاص. وفي ما يلي استعراض مُبسط لأجواء كل من الروايتين الفائزتين..
"أولاد الناس .. ثلاثية المماليك"
تتخذ الكاتبة من جامع السلطان حسن مكاناً محورياً في الرواية، بداية من التصميم والبناء، حتى جعله ساحة لصراع المماليك وقتالهم في ما بينهم، وصولاً لاستتباب الأمر لبني عثمان، وهو أول مكان زاره سليم الأول عند وصوله مصر، ومن ثم تم تخريبه وتجريده مما يزخر به من مقتنيات، ونقلها إلى الأستانة. تبدأ الأحداث بزواج (زينب) المصرية ابنة أحد التجار من أحد أمراء المماليك رغماً عنها، وعن المماليك أنفسهم، لأن الأمير بذلك خالف جميع الأعراف المتبعة، لكن الرجل ويُدعى (محمد بن بيليك المحسني) أصر على إتمام الزيجة. لتبدأ الحياة بعلاقة شائكة مفروضة بالقوة على الفتاة، حتى يظهر لها مدى حب الرجل وصدقه، بأن يتخلى عن جاريته ويرضخ لأمر امرأته، فتعيش معه قصة حب كبيرة.
الفتاة أيضاً كانت تحب القراءة والكتب، وتتميز برجاحة الرأي، أشبه بشهرزاد في عصر المماليك. ومن نسلهما يأتي (محمد بن محمد بن بيليك المحسني) ــ ابن الناس ــ المعماري الذي صمم مسجد السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون، وأتم بناءه عام 1363.
أما الحكاية الثانية فتتناول حكاية القاضى (عمرو بن عبد الكريم المناطي)، قاضي قوص، وصديق السلطان (الظاهر سيف الدين برقوق)، هذه الصداقة التي ستكلفه غالياً في صراع المماليك الدموي، حتى أنه سُجن في سجن الكرك بالشام، مع السلطان برقوق نفسه.
وبعدما نجح السلطان في الهرب، رتّب لعمرو طريقة للهروب إلى القاهرة. خلال ذلك تنشأ قصة حب بين القاضي وفتاة تدعى (ضيفة)، التي تقطع المسافة حتى السجن لملاقاة حبيبها، الذي سيتزوجها في ما بعد. تشهد هذه الفترة، وكان عمرو يلقي دروسه في جامع السلطان حسن، صراعات وتناحر المماليك.
وتأتي الحكاية الثالثة لتسرد على لسان عدة شخصيات ما حدث بالفعل، كل من وجهة نظره، سواء مؤيدة للمماليك أو لبني عثمان، شخصيات تُملي على أحد الكتبة ما حدث، فما عليه سوى الاستماع والتدوين، ليصبح بدوره شخصية تاريخية لها ثقلها (ابن إياس). ومن هذه الشهادات المتباينة تأتي شهادة (هند) التي تعرضت لمحاولة اغتصاب من أحد الجنود العثمانيين، إلا أن أحد المماليك ينقذها، ولكنه مارس عليها شتى صنوف العذاب.
ثم شهادة (سلار) أحد رجال المماليك المخلصين، الذى أصبح الفلاح حسام الدين، ودافع مستميتاً عن الأرض، حتى لحقت الهزيمة بدولة المماليك. وكذلك المترجم (مصطفى باشا العثماني) الذي يبرر لسليم الأول كل أفعاله ودوافعه لاحتلال مصر. وتحاول المؤلفة في الأخير أن تجد تحالفاً ما بين الشعب المصري وطومان باي قائد المماليك، ووقوف الجميع ضد الغزو العثماني، حتى سقط المماليك وسقطت دولتهم، وشُنق طومان باي على باب زويلة.
الكاتبة هنا تحاول اختلاق رواية أخرى عن (المماليك) بخلاف ما هو معروف ومعهود في كتب التاريخ. وإن كان الخيال وحده لا يستطيع أن يمحو سيرة الدم التي خلّفها المماليك، وأصبحت فصلاً دموياً آخر في حياة وتاريخ المصريين. صدرت الرواية عن دار نهضة مصر عام 2019.
"كتاب الرّدة"
أما رواية «كتاب الرّدة» لمؤلفها الموريتاني محمد عبد اللطيف، الصادرة عام 2018 عن دار مدارك للنشر، فقد أثارت جدلاً واسعاً حال صدورها، أدى إلى مصادرتها من معرض الرياض الدولي في العام نفسه، نتيجة شكوى قدمها عدد من أفراد الجالية الموريتانية في المملكة العربية السعودية إلى وزارة الخارجية الموريتانية وإلى السفارة في الرياض، متهمين الكاتب «باختلاق الأكاذيب ووصف الشعب الموريتاني بما لا يليق به ، كما أنه مناف لقيم وأخلاق المجتمع الموريتاني».
جملة التهم المعهودة التي ينالها أي كاتب يحاول كشف مساوئ مجتمع من المجتمعات التي ينتمي إليها.
يعيش الراوي في بلاد الحجاز، ويرى من وجهة نظره أنه مجتمع تعيش من خلاله صنوف شتى من البشر، وبما أنه ينتمي إلى مدينة (شنقيط) الموريتانية، فقد تشرّب بتعالميها وتشددها الديني ــ الكثير من الموريتانيين يعيشون في العربية السعودية ــ شاهداً على الصراعات المذهبية التي كانت تدور بين السلفية والأشاعرة، في منتصف التسعينيات في السعودية.
من ناحية أخرى يخوض البطل تجربة حياتية، اختبر فيها ما عاش عليه من معتقدات وأفكار، وما أتاحته له تجربة الجسد من معرفة ووعي، ليبدأ في التفكير والانتقاد، أو بمعنى أدق أن يقرأ (كتاب الرّدة) عن ما كانه بفضل ما أصبح عليه.
هذا الموقف المتأزم، الذي أدى إلى اتهام الكاتب بالكثير، لامس عصباً عارياً لدى بعض حرّاس القيم، فهناك الكثير من الشناقطة المولودين في العربية السعودية، من الجيل الثالث الذين هم ليسوا سعوديين من الناحية القانونية، وليسوا موريتانيين من ناحية الانتماء والتربية والثقافة.
ومن ناحية أخرى تحدثت الرواية عن المشكلات الاجتماعية للجالية الموريتانية في السعودية، فبطلة الرواية على سبيل المثال، غواية البطل وملاذه، كانت تعيش من خلال زواج المسيار. هنا تبدو خاضعة لظروف وشروط اجتماعية تفوق طاقتها.
وما بين فئة متشددة منغلقة، اكتفت بما توارثته من تعاليم فقهية وعنعنات انتهت صلاحيتها، وفئة أخرى تمارس الشرع بطريقتها يقف البطل بينهما، ليجسد ويعبّر عن حال مجموعة كبيرة تماثله، قد يفكر ويفعل بعضها في الخفاء، بدون أن تواتيه الجرأة ليكتب كتابه بيمينه. ونختتم بعبارات من الرواية، حيث يقول الراوي، «ستظل تلك الحرب دائرة، ليس لأن الرذيلة والفضيلة توأمان، بل لأن حاجة الإنسان للالتزام بقواعد لا توازيها إلا حاجته لخرقها حين تضيق».