لا أرجوحة في هذه القصة

2020-01-25

 صادق الطريحي*

■ يبدو إنني ما زلتُ قاصا مغمورًا في المملكة السوداء، على الرغم من نشري لبضع قصص في صحف المملكة ومجلاتها، لذلك فرحت كثيرًا عندما وجدت على ضفة شط المملكة ثلاث نسوة بأعمار مختلفة، يسألن عن بيت محمد خضير، حدستُ أنني أعرف هذه النسوة، ولكن لا أدري كيف، أو أين فقدمت نفسي لهن بوصفي قاصا وصديقًا للقاص محمد خضير (وهي حيلة خطرت لي فجأة).

سرتُ بهن في الزقاق المؤدي إلى البيت، وشاهدنا المحال الكبيرة المملوءة بالبضائع الصينية والإقليمية، وطالعتنا وجوه الفتيات وهن يتسوقن من بعض هذه المحال، قالت إحدى النسوة وهي تخاطب الأخريات بيقين «البيوت في هذا الزقاق جميلة وباردة، والبيت الذي سنذهب إليه سنقبل فيه بمحبة» فأومأت زميلاتها بموافقتهن على رأيها، لم تنفض السماء سجاجيدها المتربة فوقنا، ولكن الهواء المثقل برائحة الرصاص، ورطوبة أنفاس الحرب، مازال مهيمنًا على الشكل العام للقصة، فُتحت لنا الباب وكأن من في البيت يعلمون بمجيئنا، وأرادوا أن يأخذونا إلى غرفته، فقلتُ لهم» إنني أعرف الطريق إلى الغرفة جيدًا، إنها فوق المطبخ»، لم أجد أثرًا للغبار على الأرضية أو المكتبة، ويبدو إن محمد خضير، قد حدس بملاحظتي، فقال وهو يرحب بنا «الألم غبار الروح، هل نسيتَ ذلك». فقلت مباشرة «لا، لا، لم أنس، ولكن درجة الحرارة تجاوزت 45 مئوية» فرد عليّ مبتسمًا، على الرغم من وعكته الصحية «نعم، هذا صحيح، ولكن لا سبيل لتغيير العنوان، كما تعرف». جلست النسوة على أرضية الغرفة، وجلسنا أنا ومحمد خضير مقابلهن؛ ليؤكد لي أنني صديقه وسرعان ما قدم لنا أهل البيت أقداح اللبن، ولكن بلا ثلج وقال محمد خضير معتذرًا إنها الكهرباء، فقلن جميعًا «اللبن طيب حتى من دون ثلج».

ثم قدمت المرأة الملفوفة بالسواد، وهي الأكبر عمرًا كيسًا بلاستيكيا مملوءًا بثمرة البمبر وقالت «أنت تحب البمبر، وهذه ثمار ناضجة، لقد التقطتها لك بنفسي، وكنت أتمنى أن أجلب لك بعض الخبز الحار»، فقال محمد خضير مندهشًا «شكرًا، شكرًا لك يا أمي، هذا يكفي والله»، وظل بانتظار أن يعرف ماذا تريد منه، فقالت المرأة الملتفة بالسواد «إنني أبحث عن فتى حليق الرأس، جاء إلينا ضحى ذلك اليوم، ونسي حقيبته ودراجته عندنا» فرد عليها محمد خضير بأسرع ما يكون «لقد تأخرت إجازته، لديهم إنذار هذه الأيام، سيعود لكم حتمًا، فلا تقلقي، يا أمي»، وقبل أن يكمل إجابته قالت المرأة الأخرى وهي شابة في منتصف العشرينيات، بشعر قصير ورقبة نحيلة «ولكن أبي لم يأت حتى اليوم لقد قال لي ستار، اغمضي عينيك وسيأتي حالًا». وهنا قاطعها محمد خضير متسائلًا «وما اسمك يا بنية؟» قالت «حليمة، أنا حليمة، هل نسيتني فنهض محمد خضير وقبلها من رأسها وقال معتذرًا «لقد كبرت بسرعة وتغير شكلك».

سادت لحظة صمت بين الجميع، فأردت أن أخبرهم أن علي قاسم وستار موجودان في الناصرية، في يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لقد نشرت أسماؤهم في صفحات التواصل الاجتماعي، وعرف الجميع بها، ولكن المرأة الأخيرة، قطعت الصمت قبلي، فقالت بمعرفة تامة بما تقول «أنا أم حليمة، لقد كنت أرعى البقرات خلف البيت، عندما جاء الزائر الحليق الرأس، وقد قال لي بعض الجيران اليوم إن زوجك موجود في الناصرية في يوم 28 نوفمبر 2019، فهل هذا صحيح؟» فالتفت محمد خضير إليّ قائلًا «أنت من المتابعين للأخبار، أريدك أن تطمئن النساء».

لم أك بقوة شخصية ستار فتلعثمت قليلًا، قبل أن أسأل النسوة «والأرجوحة، هل مازالت موجودة؟» فقالت حليمة «نعم، مازالت موجودة، لقد نقلتها جدتي ضمن أغراضنا، عندما انتقلنا إلى بيتنا الصغير وزرعت فيه شجرة بمبر… لكن الطابوق داس على شجرة التوت، واحترقت أزهار الرمان الحمراء، ولا أدري أين ذهب الجدول؟ أما الطيور فقد هزمتها القنابل». أما أنا فهمست في إذن محمد خضير، قائلًا «هل من الممكن أن أكتب هذه القصة؟» فأجابني بصوت مسموع «وهل يستطيع أحدنا أن يكتب القصة أفضل من حليمة».

 

  • شاعر من بابل / العراق






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي