ساعة فريدريك إنجلز

2020-01-19

حسام ميرو

لم يكن فريدريك إنجلز راضياً عن قصتي التي نشرتها عن البيان الشيوعي، وفي اتصاله بي اعتبر أنني تجنّيت عليه، فقد أشرت في القصة إلى غياب الروح الخاصّة عن البيان، وتحديداً روح إنجلز.

تهمته لي أنني أحاول إحراز الشهرة، وهو ما يعني أنني برجوازي طفيلي، لا عمل حقيقياً له، يحاول التكسّب من تعب الآخرين، وإحراز قيمة مضافة على حساب ما أنجزوه.

كنت أودّ سؤاله: أين قضى ليلة التاسع عشر من فبراير عام 1848؟ أي قبل ليلتين من إصدار البيان، لكن شيئاً من الكياسة منعني.

قالت زميلتي في الصحيفة التي نعمل فيها سوية إنني أغار من إنجلز، ولذلك جرّدته من فرادته، لكنني أخبرتها، وأنا أهمّ بمغادرة الغرفة: تذكّري أنني نشرت القصّة في عام 2048، أي بعد مئتي عام من صدور البيان، ومئة وثلاثة وخمسين عاماً من وفاته، ولا يحقّ للموتى محاسبة الأحياء.

في حانة "الرقص على الطريقة الإيرلندية" في بروكسل، تعرّف إنجلز على كارلا بيدال، وقضى ليلة كاملة في شقتها الصغيرة، وقبل أن يخرج صباحاً ترك لها ساعته كهدية، ودونما قصد منه لبس سروالها الداخلي بدلاً من سرواله، فقد كان مستعجلاً، ويفكر في السبب الذي سيقوله لماركس عن غيابه ليلة أمس، حيث كان من المفترض أن يقوم الرجلان بكتابة البيان سوية.

لقد ذكرت هذا في قصّتي، وقد أثار المقطع السابق أسئلة المقربين من السيد إنجلز، حتى أنني وجدت رسالتي توبيخ في بريد شقتي من الأختين ماري وليتزي بيرنز، وهما زوجتا السيد إنجلز، وقد تزوّج الثانية بعد وفاة الأولى.

أعرف أنني أصبحت في خطر، فالمظاهرة العمالية الحاشدة تحت شقتي تطالبني بالرحيل عن المنطقة، وبعضهم رفع لافتة مكتوبٌ عليها: اقتلوا السافل.

أغلقت باب شقتي جيداً، ولم أتصل بالشرطة، لقناعتي بأنها تعلم بأمر المظاهرة، فليس ممكناً أن تخرج مظاهرة من دون ترخيص.

ذهبت خفية لأنام في بيت العائلة المهجور منذ عقود، حتى قبل ولادتي، ودخلت من باب المرآب، ووصلت إلى الصالة حيث رائحة الغبار تزكم الأنف، وجلست في العتمة، متنفساً الصعداء.

فجأة لمحت وجه ماركس الذي كان جالساً على الطاولة، يغمس ريشته في الحبر ويكتب.

تأملته، وحاولت أن أكون ساكناً كي لا أزعجه، وبعد مضي بعض الوقت وجدته يبحث عن شيء ما على الطاولة، ثم في جيب سترته، لكن من دون أن يجده.

عاود الكتابة لبضعة دقائق، ثم توقّف ثانية، وعاود البحث عن ذلك الشيء المفقود.

لا أعرف تماماً إذا بدت منّي أية حركة، لكنه التفت نحوي، وسألني: أيها السيد هل وجدت ساعتي؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي